في سياق كتابه عن تجربة مقاهي ستاربكس، عرض الكاتب الأمريكي، جوزيف ميشالي، عدة لقطات للطريقة التي يخدم بها العاملون لدى مقاهي ستاربكس رواد مقهاهم.
بداية أنوه أن غرضي من عرض هذه القصص ليس الترويج لستاربكس، الذي يحلو للبعض تلخيص قصته كلها عند روايات دعم صاحب المقهى لدولة المغتصب الإسرائيلي، وفي هذا إجحاف كبير للحق، وللدروس التي يمكن أن نخرج بها من قصة أكبر سلسلة مقاهي في العالم.
ترجم الكتاب للعربية الدار العربية للعلوم في بيروت، ورغم المجهود الكبير في تصميم غلاف الكتاب، ليطابق الأصل الإنجليزي، لكن الترجمة جاءت حرفية آلية، حتى لتشعر أن أهم ما كان يشغل بال المترجم (ميشال دانو) هو سرعة الترجمة، لا الحفاظ على وحدة المعنى وسهولة الفهم.
رغم كل هذا، يبقى الكتاب جديرا بالقراءة والوقوف على العبر التي فيه، والتي أستطيع تلخيصها في نصيحة واحدة: اعشق زبائنك.
من اللقطات الطريفة في الكتاب، أن مايكل كايج انتهى من مشروع سهر عليه حتى الخامسة صباحا، وقتها قرر مايكل الخروج من منزله لتجديد نشاطه، وهو تمنى كوب قهوة من النوع الذي يحبه: فانيليا بالحليب، فقاد سيارته حتى وصل إلى مقهى ستاربكس القريب منه، لكن الوقت كان مبكرا جدا، فوجد مايكل المقهى مغلقا والأضواء مطفأة.
بعد خيبة الأمل، وشعوره أنه لن ينال قهوته المفضلة، هم مايكل بالعودة، لولا أن فتح باب المقهى، وخرج العامل من الداخل ليسأل مايكل إذا كان يريد احتساء مشروبا… إن مايكل اليوم زبونا مدى الحياة لمقهى ستاربكس، وهو يعمل كوسيلة دعاية مجانية لا تنضب للمقهى.
لم تحب الباريستا (الساقية) برناديت هاريس تحضير مشروب فرابتشينو، لأنه يستغرق ضعف الوقت اللازم لاعداد القهوة المعتادة، كان هذا قبل أن تتحدث إلى زبونة تحضر تقريبا كل يوم، وتطلب مشروب موكا فرابتشينو، حين دخلت في يوم على عجلة تطلب ذات المشروب لأن زوجها ينتظر في السيارة، ثم استرسلت وشكرت العاملين على لطافة خدمتهم، وأخبرتهم أنها أبدا لم تتذوق مشروب قهوة ستاربكس، لكن مشروب فرابتشينو كان هو المشروب الوحيد الذي سمح الأطباء لزوجها بشربه، بعد خضوعه لعلاج كيماوي. هذه القصة شاركتها الساقية مع بقية العاملين، ما ساعدهم على إدراك الفروق الصغيرة، التي يمكن لمشروب أن يحدثها.
عندما انتقل موقع مكتبة أمريكية من مكان إلى آخر، كان العاملون في المكتبة من دائمي ارتياد المقهى، فما كان من مديرة مقهى ستاربكس هذا إلا وأعدت لهم قهوتهم المفضلة وذهبت إليهم، وأخذتهم إلى موقعهم الجديد، وعرفتهم على أقرب مقهى ستاربكس منهم.
عندما تعثر بيتر نيكولز في كوالالمبور أمام مقهى ستاربكس، وهو يهرب من عاصفة شديدة، رآه ثلاثة من العاملين في المقهى وهو يقع، فهرعوا إليه، وحملوه إلى المستشفى، ولما كانت نقوده في الفندق، دفع مدير المقهى جميع مصاريف العلاج، واشترى له الدواء، وبقوا معه حتى خرج من المستشفى.
حين كانت الأمريكية ماري تعد أوراقها لتقدمها إلى الضرائب الأمريكية، كانت قلقة من أن يحتسبوا عليها أكثر مما توقعت، وهي ذهبت إلى مقهى ستاربكس لتحتسي كوب الشاي الذي تفضله. حين جلست إلى الطاولة، وطلبت الشاي، اقترح عليها الساقي أن تجرب شاي كالم (المهدئ) فتعجبت ماري ونظرت إليه، فقال لها إنه عرض خاص فقط في هذا اليوم: شاي كالم مجاني. لليوم تذكر ماري هذه المفاجأة السارة وهذا العرض الخاص جدا، وكيف خفف عنها توترها.
حين وجد الساقي زبونة تقف والحيرة على وجهها، أمام سيارتها، خرج إليها ليسألها ما الخطب، فأخبرته أنها نسيت مفاتيح السيارة داخلها، على الفور رجع الساقي، وأحضر لها قهوتها المفضلة، وهاتف الشركة، ودفتر العناوين الأصفر، من أجل مساعدتها على حل مشكلتها. في اليوم التالي عادت الزبونة ووضعت بطاقة تشكر صنيع الساقي، وحكت قصته أمام زملائه، وشكرته جزيل الشكر.
كانت اليوم اليوم الأخير في عمل الساقية سوزان، التي انتقلت بعدها للعمل في مكان آخر، وبينما زملاؤها يحتفلون بآخر يوم لها، ويهدونها الورود، دخل زبون دائم للمحل، اشتهر أنه شديد العبوس لا يعرف الابتسام، جاء ليودع سوزان، وليشكرها على ابتسامتها الدائمة له في كل مرة كان يطلب مشروبه، فابتسامتها هذه كانت تدخل السرور على قلبه، ولهذا كان يحرص على المجيء للمقهى، وأنه لما سمع أنها راحلة، حرص على أن يأتي ليشكرها، على التغيير الصغير الذي أحدثته في حياته…
سياسة ستاربكس ليست أن كل شيء يهم وحسب، بل كل شخص أيضا، في فريق العمل، وأي إنسان، سواء كان زبونا أم لا، مع الاهتمام لكل التفاصيل: دقها وجلها.
رغم أننا – العرب – أهل الكرم ولهفة الضيف، لكننا نسينا ميراث الأجداد الجميل، وأصبحنا وحوشا مالية في متاجرنا، لا نعرف سوى أخذ مال الزبون، والتنكر له بعدها…
هل لديك – عزيزي القارئ – أية تجارب إيجابية مع متاجر عربية؟
هل تنوي – عزيزي البائع – أن تعشق زبائنك، وأن تبذل لهم كل ما في وسعك، حتى يصبحوا زبائنك مدى العمر؟
أنصحكم بقراءة الكتاب – وبألا تفهموا كلامي على أنه دعاية لا أكثر…
لا تفهم كلامي هنا على أنه دعاية لهذا المقهى الذي يقدم الدعم للكيان الصهيوني، بل افهم كلامي على أنه دعوة لفهم أسباب نجاح ستاربكس، ومن ثم تطبيقها في متاجرنا العربية، حتى نقدم البديل العربي الذي يغنينا عن الذهاب إلى هذه المقاهي.