نستكمل اليوم تلخيصنا لكتاب أعظم 74 قرارا إداريا بحديثنا عن علم التسويق عملياً من أشهر الشركات وهى شركة كوكاكولا………
حظيت شركة كوكاكولا بثلاث قرارات عظيمة في هذا الكتاب، في استحواذ واضح لم تحصل أي شركة علي مثيله، سأقوم هنا في محاولة لدمج القرارات الثلاث عن كوكاكولا لتبدو بنكهة ومذاق واحد.
وأذكر أننا في الباقة الثالثة من تلخيص كتاب أعظم 74 قرارا إداريا تحت عنوان “سحر التسويق “، وأذكركم أيضا بمقولة وليام ديفيد ” إذا كانت المخترعات العظيمة يتم ابتكارها في المعمل فان المنتجات العظيمة يتم اكتشافها في إدارة التسويق”.
تبدأ قصة كوكاكولا عندما استطاع جون ستايث بيمبرتون التوصل إلي تركيبة احتوت علي ورقة نبتة من شجرة في جنوب أمريكيا وبذور في غرب أفريقيا وكراميل وحمض فسفوري وسبع نكهات طبيعية لا تزال كوكاكولا تحافظ علي غموضها إلي يومنا هذا، وأطلق كاتب الحسابات لدي بيمبرتون “فرانك روبنسون” اسم كوكاكولا علي هذه التركيبة والتي ظهرت مضافة إليها الصودا في مايو 1881 بأتلانتا.
ما ميز كوكاكولا عن غيرها هو إدراكها المبكر جدا لقوة وسائل الإعلام والدعاية قبل أي شركة أخري بكثير، وتعظيمها الجيد لأهمية الدفع والترويج لمنتجاتها بقوة، فلقد أنفق بيمبرتون 74 دولار علي كوبونات الدعاية بعد ثلاثة أسابيع فقط من اختراعه، رغم أن مبيعاته في العام الأول كانت بمعدل 6 أكواب يوميا بسعر الكوب خمسة سنتات، وحقق دخلا كليا في هذا العام 50 دولار، ولك أن تلاحظ أن ما أنفقة بيمبرتون علي الدعاية كان أكبر من الدخل .
انتقلت حقوق كوكاكولا إلي آسا كاندلار بعدما باعها بيمبرتون، ولم يقف كاندلار عند الإعلانات فقط، بل استخدم تعبئة المنتج في الترويج له، فأقرت الشركة مسابقة عام 1951 لاختيار تصميم لزجاجة الكوكاكولا، وحازت شركة روت جلاس بقبول تصميمها الذي أصبح يمثل شخصية كوكاكولا ، وكما أوضح آسا كاندلار رئيس الشركة ” نحن في حاجة إلي زجاجة يعرف الشخص أنها كوكاكولا حتى عندما يلمسها في الظلام “.
أما عن القرار الثاني، فكان درسا من كوكاكولا في كيفية استغلال الأحداث والمناسبات المختلفة لتظهر دائما أنك مع المستهلكين في كل وقت ومكان، كانت الحرب العالمية الثانية من أعظم الأحداث التاريخية بوجه عام وتاريخ الصناعة علي وجه الخصوص حيث حققت العديد من الشركات نجاحا جماهيريا باعتمادها علي هذه الحرب ومن أمثلة الشركات التي نجحت في استغلال الحدث شركة نستله، والتي بلغ الطلب علي منتجها نسكافيه ذروته فمن 100 مليون دولار وصل إلي 225 مليون دولار ، وكذلك شركة هاينز والتي أطلقت شعارا لها ” المخللات لتتبع الطائرات “.
وأما عن كوكاكولا، فقد انتقلت حقوق الشركة مرة أخري إلي رجل أعمال من أتلانتا يدعي إرنست وودروف بعد أن باعها أبناء آسا كاندلار بمبلغ 25 مليون دولار ( كان المبلغ ضخما آنذاك )، تولي روبيرت وودروف (ابن وودروف) أطول فترة رئاسية في تاريخ الشركة من (1885-1890)، أخذ روبيرت قراره بالتزام الشركة بيع زجاجة الكوكاكولا بسعر نيكل واحد (خمس سنتات) لأفراد الجيش، ولكي تفي كوكاكولا بوعدها أنشأت 60 مصنع تعبئة متنقل ليلازم الجيش بطاقة إنتاجية 1370 زجاجة في الساعة ويقوم علي المصنع فردان فقط، ومن المفارقات المضحكة أن كوكاكولا تحسبا لتهديد الحكومة لها بترشيد استخدام السكر ، قامت وبكل جرأة وطموح بإقناع الحكومة أن مشروبها ضروري لسعادة القوات الأمريكية.
أظهرت كوكاكولا براعة فائقة خلال فترة روبيرت في استغلال كل المناسبات المختلفة وأظهرت لمستهلكيها أنها معهم دوما، حتي أنه عند عودة رواد مركبة الفضاء أبوللو من رحلتهم الشهيرة رحبت بهم كوكاكولا قائلة ” مرحبا بعودتكم إلي الأرض ، بيت كوكاكولا “.
حقا استطاعت كوكاكولا أن تحفر اسمها بحروف من ذهب في قلوب الأمريكيين حتي أن مجلة التايمز الأمريكية أعلنت أنكوكاكولا هي الغزو السلمي لمعظم العالم ، ولم يكن كل هذا الولاء والإخلاص لكوكاكولا من فراغ بل بقرارات إدارية عظيمة، ولا يمكننا أن نتحدث عن قرارات خلق الإخلاص والولاء لدي العملاء دون أن نذكر قرار بنك توماس كوتوسالبريطاني في القرن الثامن عشر بإسقاط ديون الأسرة المالكة للاحتفاظ بهم كعملاء دائمين، ومع أن هذا القرار عرض البنك لخسارة كبيرة وقتها، إلا أن البنك استطاع أن يضع في ذهن الجميع حتي هذا الوقت بأنه ” بنك الطبقة العليا ” ويكفي أن جلالة الملكة إليزابيث أحد عملاءه .
تعلمنا كوكاكولا أيضا التطلع إلي النمو منذ اليوم الأول، وهذا ما يوضحه إعلانها الجماهيري ” منذ بليون ساعة ظهرت البشرية علي وجه الأرض، ومنذ بليون دقيقة جاءت المسيحية، ومنذ بليون ثانية أدت فرقة البيتلز عروضها المسرحية، وأنتجت كوكاكولا منذ صباح أمس وحتى الآن فقط بليون زجاجة”
القيادة بإتباع القدوة :
وتحت باقة أخري بعنوان القيادة بإتباع القدوة ترتكز علي أن القرارات العظيمة ليست مالية وشخصية فقط وإنما هناك جوانب من العظمة في الجانب الأخلاقي .
نتابع مع كوكاكولا والتي ظهر لها منافسا عنيد في الأفق وبقوة، وهنا أدرك روبيرت أن الشركة بحاجة إلي تغير دماء فأفسح الطريق لروبيرت جويزيتا في عام 1981، وبعدها اهتز المركز الأول لكوكاكولا وانخفضت حصتها إلي 5% وزادت حصة بيبسي في المقابل إلي 8%، وجاءت نتائج اختبارات عشوائية لفريق التسويق داخل كوكاكولا علي متناولي المشروبات الغازية سيئة ومقلقة جدا حيث كانوا يفضلون البيبسي علي الكوكاكولا، وهنا تراجعت الشركة عن قرار مسبق لها بتغير طريقة الصنع والإعداد ، ولكن حتي بعد توصلهم لطريقة جديدة لم تتغير النتائج.
برغم عدم تغير النتائج ، قدم مشروب نيوكوك في 23 أبريل عام 1985 في شارع سانت جورج، وظهرت كوكاكولا في هذا اليوم كالتنين الذي قضي علي بيبسي، وفي أكبر زلة تسويقية حدثت في هذا القرن، سوقت كوكاكولا للمشروب الجديد نيوكوك بأنه أرق وأفضل وأحلي في المذاق وأفضل من المشروب القديم، وتلقت الشركة سيل من الانتقادات، لأنها تجاهلت الملايين التي تبيعها يوميا من المشروب القديم، وعلي الناحية الأخرى استغلت بيبسي الفرصة التي لاحت لها في الأفق في وقت كانت بالكاد تحتفظ برواجها، وأنشأت شركة إعلانات ركزت علي “ أن الشئ الحقيقي ظل بدون تغيير “.
أسمعكم تقولون حتي الآن ليس هناك أي وجه من وجوه العظمة، ولا نري إلا قرارا خاطئ، أرد بأن العظمة تكمن في إدراك شركة كوكاكولا أن ما قامت به كان كارثة بكل المقاييس، وبكل شجاعة قررت العودة إلي استخدام طريقة الإعداد الأصلية في قرار يتسم بالشجاعة والسرعة ، فبعد 90 يوم علي مرور إنتاج نيوكوك،اعترفت الشركة بفشله وتراجعت عنه.