في معرض كتابه دع القلق وابدأ الحياة، تحدث مؤلفه ديل كارنيجي عن رجل فقد ابنه الوحيد الصغير، وكيف نزلت هذه المصيبة شديدة عليه، وكان الأبوان يظنان أن هذه نهاية حياتهما وأن لا سبيل للنهوض بعد كارثة كهذه.
وهذا حاله، وجد الأب الذي اعتزل عمله بعض الأشياء التي توجب عملها في بيته بنفسه، مثل بعض الإصلاحات هنا وهناك، وبعض التعديلات وبعض الأشياء التالفة الواجب استبدالها، الأشياء التي كان الأب يؤجلها لظروف عمله ومرض ابنه.
انغمس الأب في التصليحات، وشيئا فشيئا بدأ يلحظ تحسنا على معنوياته ونفسيته، وبدأ الانهماك الشديد يلهيه عن التفكير في مصيبته الكبيرة، وبمرور الوقت، بدأ يتقبل ما أصابه، وبدأ يدعو لابنه أن يكون في حال أفضل، وبدأ يتقبل قدره. بعد مرور وقت.
بدأ هذا الأب يواسي غيره ممن نزلت بساحتهم الكوارث ويُعلمهم أن شغل العقل عن التفكير فيما نزل به من مصائب يعين على تخطي هذه المصائب. أو بكلمات أخرى، وقت الفراغ غير المستغل يجلب ما لا يحمد عقباه أبدا. كيف نشغل وقت الفراغ هذا بشكل عملي؟ ماذا عن بدء نشاط تجاري جانبي؟
يشكو عالمنا اليوم من التفكك الأسري، وانشغال كل قيس بليلاه، لكن من ضمن فرص إعادة لم شمل العائلة نشاط تجاري يعتمد على مشاركة الكل، فمؤلفة الكتاب الذي نحن بصدده سعدت بمراقبة ابنتها لها وهي تستمع إلى قصص الناجحين في مجال الأعمال، وحين كبرت ابنتها دخلت مجال التصميم الفني وبدأت تعمل في مجال تصميم بطاقات الأعمال والدعايات وهي لا زالت طالبة.
الابن الصغير للمؤلفة تعلم من تعاون أمه وأبيه لجمع مواد كتاب، فبدأ يجمع بدوره مواد لكتاب من تأليفه، وساعده جميع أفراد أسرته، حتى تم له نشر كتابه وحقق قبولا لا بأس به رغم صغر سنه. هذه الأوقات العائلية هي من الكنوز المعنوية التي تدوم، حتى بعد رحيل كبار العائلة.
نأتي إلى عالمنا العربي
حيث تسودنا بعض الأفكار الخاطئة المتوارثة، مثل احتقار العمل اليدوي، والإصرار على عدم تكبير أي نشاط تجاري ناجح خوفا من أعين الضرائب ومن العين الحاسدة، والرضا بالحياة أمام شاشة التليفزيون لا عليها، والخوف من الفشل والسقوط.
وقناعة راسخة بأن كل شيء في بلادنا العربية يعمل ضدنا ولذا فلا أمل في شيء إيجابي يحدث لنا… بعد مئات السنين من الاحتلال لبلادنا العربية، سأتقبل وجود هذا الشعور، لكن إلى متى؟
من جهة أخرى
للأسف، حين يسير البعض في هذا الاتجاه، اتجاه امتهان بعض الأنشطة التجارية الجانبية، فإنه يفعل ذلك بغرض كسب بعض المال لإنفاقه على ملذاته وانتهى الأمر، وبالتالي لا يبذل جهدا في إتقان حرفته أو تنميتها حتى تصبح نشاطا قائما بذاته.
ولهذا السبب سنجد معا أن بعض الأفكار الممكنة سينظر لها مجتمعنا بعين القرف والاحتقار، بسبب سوء سلوك من بعض السابقين المطبقين لها. للخروج من هذه الدائرة العقيمة، لا بد من شجعان يتحملون هذه النظرة ويعملون على تغييرها عبر ضرب المثل بهم. لا أجد لها حلا غير هذه.
الخوف من الفشل
هو ما يدفع الغزال السريع للوقوف مشلولا أمام نظرات عيون الأفعى البعيدة عنه، ولخوف الغزال منها فهو يقف مكتوف الأيدي والأرجل، حتى تدركه الأفعى وتفتك به وجبة دسمة لها.
لماذا لم يجري الغزال؟ لأن عقله قرر أنه هالك لا محالة، وأنه لو جرى سيفشل. لماذا فازت الأفعى بعشاء شهي؟ لأنها وثقت بنفسها فخرجت ثقتها هذه من عينيها، فوقعت على غزال مهزوم من الداخل، فلم يحتاج الأمر لجهد كثير.
لا تفهم كلامي على أنه فور أن تبدأ في نشاط تجاري جانبي ستجد الأرض مفروشة بالورود والأموال تنهال عليك، لكني أضمن لك أنك ستشعر بسعادة بالغة، وستجد هدفك في الحياة، وحين تقبض أول ربح لك، فلن تسعك الدنيا.
حين تذهب السباع للصيد، لا تجدها تخبط بشكل عشوائي، بل تختار من الطعام أطيبه، وتتصيد الشرود عن القطيع، ثم تنطلق ولا تحيد عن مطاردة من اختارته من البداية، ولو أفلتت طريدتها، تجدها تقف وتلتقط أنفاسها وتعيد حساباتها، ثم تعاود القنص من جديد.
الشروع
في عمل تجاري جانبي يتطلب دراسة السوق وتقييم القيمة التي ستقدمها لعملائك، وتتطلب خطة تسويقية صغيرة، وتسعير المنتجات والخدمات بشكل منافس، والبحث عن شيء إضافي فريد تقدمه لعملائك ولا يجدوه سوى عندك أنت فقط.
عندما تبدأ، ابدأ صغيرا وسر على مهل
إن كنت تعمل بوظيفة نهارية لا تهجرها، بل عد بعدها إلي بيتك وانفض عنك عناء يومك ثم اشرع في تنمية عملك الجانبي، ولا تدخل غمار شيء لا تحبه، شيء لست مستعدا لتنميته حتى يصبح تجارة رابحة، شيء قبلته على مضض مضطرا. عندما تحب ما تفعله، فالسماء هي سقف احتمالات نجاحك، وهناك سموات سبعة، فلا ترضى بأول سماء سقفا لك.
- سنبدأ بمشيئة الله في عرض أفكار الأعمال التجارية الجانبية التي ذكرتها المؤلفتان في كتابهما، وهي أفكار تزيد عن المائة، فإن وجدت فكرة لا يمكنك تنفيذها، فكر في التالية. لكن كذلك فكر في موقف بسيط:
ماذا لو كنت مطالبا بشراء طعام لطفلك الوليد، ولا فرصة أمامك غير هذه الفكرة، وكنت ستفعلها لأن اختياراتك الأخرى معدومة، كيف كنت لتتصرف وقتها؟ أخشى أن زمننا الحالي لا يوفر لك رفاهية الاختيار ما بين هذه وتلك، فالوقت وقت عمل، عمل سريع.
فاصل ونواصل، حتى هذا الحين اشحنوا بطارياتكم واشحذوا هممكم!!
- مصدر المقال مدونة شبايك