في دورة “فنون القراءة” التي أقيمت في نادي الكتاب بمدرستنا ، أشار المدرب إلى الرفوف التي تقع في آخر المقر والتي تحوي على عدد ليس بالقليل من المجلدات والكتب ، وأخبرنا بأنه بإمكان الشخص الذي لديه عزيمة وإرادة قوية أن يقرأ جميع هذه الكتب في فصل دراسي واحد (أي في أربعة أشهر) فقط!
ومن تلك اللحظة إلى هذا اليوم وأنا أتذكر ما قاله لنا وأعيده في ذهني مراراً وتكراراً ، وكل يوم ازداد حيرة إلى حيرة! إلى أن جاءت اللحظة المناسبة واتصلت به هاتفياً وسألته عن إمكانية قراءة مثل هذا الكم الكبير في فترة قصيرة.
فأخبرني أن هذا الأمر ممكن وسهل حدوثه لو أننا نلتزم بقدر معين من الصفحات نقرأها يومياً ، وافترض لو أننا نقرأ 30 صفحة يومياً ، لأصبح عدد ما نقرأه في سنة واحدة 10800 صفحة! و هذا العدد من الصفحات ليس بالشيء الهين؛ فكيف بمن يقرأ أكثر 30 صفحة يومياً ؟!
المشكلة التي أعاني منها ويعاني منها الكثير غيري هي التذبذب ، فمرات يأتيني حماس عجيب فأقرأ في اليوم الواحد 50 أو 100 صفحة ، وفي أيام كثيرة لا أقرأ حتى صفحة واحدة! وهذا شيء طبيعي، فكما أنك تشتهي الطعام أحياناً وتتركه أحياناً أخرى .. فالقراءة كذلك.
اجعل القراءة جزءاً من برنامجك اليومي ، أقرأ ولو شيئاً بسيطاً المهم أن لا يمر عليك ذلك اليوم إلّا وقد قرأت؛ سواءً كان الذي قرأته مقالاً مفيداً أو جزءاً من كتاب أو قرأت في مدونة المهم أنك تنجز ولو شيئاً يسيراً ، ومع الوقت ستجد أنه من المستحيل الاستغناء عن القراءة ولو لأدنى سبب!
ومع تطور التقنية واستخدامنا لها فإنه يوجد الكثير من الوسائل والبرامج والتقنيات التي تساعدك على القراءة من أي مكان وفي أي وقت، فمثلاً: تستطيع أن تقرأ الآن من جوالك ، أو أن تقرأ كتاباً وتقلب صفحاته على iPad ، أو تحمل ما تشاء من الكتب الإلكترونية PDF على جهازك وتقرأها في أي وقت تشاء، لا عذر لأحد الآن!
مشكلة البعض التعذر بمشاغل الحياة وارتباطاتها وأنها لا تعطينا الفرصة للقراءة والإطلاع، كما أن ضيق الوقت يسبب حاجزاً ومشكلة كبيرة! وأقول لهؤلاء لو أردت أن تجد وقتاً لفعلت والقرار في يدك ولكننا دائماً نجد أن الأعذار سهلة وبسيطة .. فنقدمها دائماً!
فكر معي.. كيف وصل العلماء والمفكرون والمثقفون إلى هذه الدرجة والمرتبة من العلم والثقافة؟ ستجد الإجابة حتماً في القراءة، فبالرغم من انشغالهم بأعمالهم الكثيرة إلّا أنهم يجدون الساعات والساعات يومياً للقراءة! هم لم يجدوا هذه الأوقات بل أوجدوها وجعلوها ضمن برامجهم اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها!
تساءلت يوماً من أين “للدكتور عبدالكريم بكار” هذه الحصيلة من العلم والمعرفة والفكر القوي ، وفي إحدى اللقاءات التلفزيونية معه كانت الإجابة بأنه يقرأ يومياً 6ساعات على الأقل وإن حصل وقرأ 5ساعات في أحد الأيام فإنه يقوم بتعويضها في اليوم التالي فيقرأ 7ساعات وهكذا!
وتساءلت أيضاً عن الشيخ الدكتور سلمان العودة وعن الكم الكبير الذي يمتلكه من العلم والثقافة الواسعة، وعندما عدت إلى سيرته وإلى بعض اللقاءات معه عرفت أن هذا كله من أثر القراءة، فقد كان يقرأ منذ صغره ، بل وهو يعمل مع والده في المحل؛ ويقتنص فرصة وقت الراحة في عمله في المحل ليذهب للمكتبة العامة القريبة ليقرأ ويستعير منها.
كما أنه كان يقرأ في شتى المجالات من فلسفة وسيرة وتفسير وفقه وعلوم الحديث وغيرها من العلوم وكان يسلي نفسه أحياناً بقراءة الروايات ، ويقول أنه انكب على الكتب أكثر في الفترة التي قضاها في السجن (5سنوات).
أخيراً استغل فرصة شبابك وعطائك وفراغك للقراءة والإطلاع وزيادة ثقافتك، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : “اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ اغتنم حياتَكَ قبلَ موتِكَ وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ وشبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ” .
وإن كنت تريد البدء في برنامج يومي للقراءة فابدأ بالتدرج وعلى حسب طاقتك وقدرتك، وحدد لك وقتاً معيناً للقراءة أو ضع لنفسك عدداً معيناً من الصفحات وكما قال قدوتنا صلى الله عليه وسلم : ” قليل دائم خير من كثير منقطع “.