لم يكن هناك وجود فعلي قائم بذاته لعلم التسويق منذ قرابة خمسين عاماً أو يزيد، إذ كانت وظيفة التسويق موكلة لقسمي الإعلانات والمبيعات، على أن الحال تغير تماماً في فترة الستينات إذ أصبح لعلم التسويق مناهجه وأقسامه في كثير من الجامعات والكليات والمعاهد، بل والكتب والمجلات التي تشرحه وتشجعه.
بعد مرور نصف عقد على ظهور علم التسويق، فقد يظن البعض أن الكثير من الأخطاء التسويقية قد تم معرفتها والقضاء عليها بالكلية.
على أن الواقع يؤكد أنه لا يزال هناك مجموعة من الأخطاء القاتلة المتكررة بشكل يومي في عالم التسويق والشركات، بغض النظر عن مدى فهم وتبحر المسئولين عن التسويق في تلك المنظمات والشركات.
وهنا نعرض لكم بعضاً من هذه الأخطاء القاتلة:
1- نتائج أبحاث التسويق هي ما دفعنا لذلك
الاعتماد على نتائج الأبحاث التسويقية ودراسات السوق كعامل مُحدد وحده للقرارات التسويقية لهو أمر مُحاط بالمخاطر، لأن تلك الأبحاث والدراسات تشوبها الكثير من المشاكل المحتملة، بسبب طريقة البحث والدراسة المتبعة.
خاصة وإذا كان الباحث غير مُلم بجميع البيانات المطلوبة منه، أو لا يستطيع الوصول والحصول على كل المعلومات والبيانات المطلوبة، مثل عدم الحصول على إجابات لجميع أسئلة استقصاء ما.
الخلاصة أن على الشركات القيام بهذه الدراسات والأبحاث – لتكتسب معلومات تساعدها عند اتخاذ القرارات التسويقية، لكن على التسويقيين كذلك فهم الحدود والقدرات التي تقف عندها هذه الأبحاث والدراسات.
2- كل ما نحتاج إليه هو القيام بالمزيد من الحملات الإعلانية
لو كان الأمر كذلك لكان علم التسويق غاية في السهولة. زيادة الإنفاق على الإعلانات والحملات الترويجية لا تعني زيادة المبيعات بشكل آلي، بل تعني انخفاض الأرباح بشكل مرجح.
النقاش حول أن السبيل الوحيد لزيادة المبيعات المتناقصة هو زيادة الدعاية والإعلانات يدور في جميع المؤسسات والشركات تقريباً، لكن هذا الأمر ينم عن قصر نظر لا أكثر، فالتسويق يفوق بكثير حدود الترويج والإعلانات. مشاكل المبيعات المتناقصة ربما تعود لأسباب كثيرة خلاف الأسباب التسويقية.
فقبل إقرار زيادة الحملات الترويجية والدعائية، فإنه من الأفضل مراجعة جميع العوامل (تسويقية وغيرها) للتأكد من أن العيب ليس في مكان آخر خارج الإطار التسويقي.
3- لدينا أفضل المنتجات في السوق
قد يؤمن مسئولو التسويق بذلك، لكن مسئول التسويق ليس هو من يشتري المنتج، بل السوق التي يستهدفها هذا المسئول. إذا لم يفهم مسئول التسويق لماذا يشتري المستهلك منتجات منافسيه، بينما يؤمن في الوقت ذاته أن منتجات المنافسين أقل مستوى من منتجاته هو، فهو لا يعرف السوق بما يكفي.
طريقة نظر المستهلك إلى المنتج عادة ما تختلف عن طريقة نظر مسئول التسويق لهذا المنتج، وهذا الخلاف يدعو بشدة للقيام بدراسات السوق وأبحاث المستهلكين، لفهم سبب عزوف المستهلكين عن شراء المنتج كما هو متوقع لهم.
4- المدير يعرف ما فيه صالح الشركة
المشكلة التقليدية التي تواجه معظم الشركات، خاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم – حيث يكون مؤسس الشركة هو المسئول عن اتخاذ غالبية القرارات ويقع تحت وهم أنه هو فقط من يعرف ما فيه مصلحة شركته، وأنه الأقدر على فهم السوق، والدليل على ذلك نجاح شركته التي بدأها بنفسه.
هذا المدير المؤسس عادة ما ينظر إلى الدراسات التسويقية على أنها مضيعة للمال، بل والأسوأ من ذلك أنه قد يرفض ويصد أي نصائح تسويقية قد تصل إليه من فريقه ومن داخل شركته.
اتخاذ القرارات التسويقية بناء على الحدس الشخصي قد ينجح في بعض الأحيان، لكن رفض القيام بالأبحاث والدراسات التسويقية والرد بشكل سخيف على النصائح التسويقية الداخلية لهو أمر كفيل لأن يؤدي لاتخاذ قرارات غير ناجحة.
5- مستهلكو منتجاتنا لا يهمهم سوى الحصول على أرخص الأسعار
على العكس تماماً، فالمستهلكون يهتمون بأفضل قيمة سيحصلون عليها مقابل نقودهم. المستهلك دائماً وأبداً يريد الشعور بالراحة الناتجة من استعماله لما اشتراه، والشعور بأنه وضع ماله الذي تعب فيه في مكانه الصحيح.
يخطئ مِن المسوقين مَن يظن أن المستهلكين عزفوا عن شراء منتجاته بسبب قرارهم بشراء المنتج الأرخص وحسب، فإذا قام مسئول التسويق بعمل دراسة وبحث لوجد أسباباً أخرى لهذا التحول في قرارات الشراء.
الشركات التي تظن أنها تخسر عملائها لغيرها من الشركات التي تقدم بدائل أرخص لهي في واقع الأمر تخسرهم في مقابل شركات تقدم في المقابل قيمة أكبر. بداهة، الرد على ذلك يستلزم بذل مجهود تسويقي أكبر يؤدي لزيادة القيمة التي توفرها منتجات الشركة في أذهان المستهلكين.
6- نحن نعرف من هم منافسينا
كثير من مسئولي التسويق قادرون على سرد قوائم طويلة من الأسماء عند سؤالهم عن منافسيهم، وبينما يعني طول هذه القائمة المعرفة الجيدة بالسوق، لكن الأمر الأكثر أهمية هو من لم يظهر اسمه في هذه القائمة. الشركات التي يُنظر إليها على أنها لا تمثل أي منافسة هي الخطر الأكبر الذي يتهدد الشركة، خاصة في حالة الشركات التي تعمل في أسواق مليئة بالحركة والنشاط والتطور.
على الأقل، يجب أن يكون لدى مسئول التسويق قائمتين: الأولى يضع فيها المنافسين الفعليين، والثانية يضع فيها المنافسين المحتملين. هذه الأخيرة يجب أن تشمل الشركات خارج نطاق الصناعة/الخدمة الذي تعمل شركتنا فيه، وبهذا يقوم المسوقين بتوسيع مدى العناصر محتملة التأثير على سوقهم.
مثل هذه الطريقة في التفكير تجعل مسئول التسويق على علم بمن هم منافسيه المحتملين، كما توسع من أفقه فيتعلم من الشركات الأخرى ما يعينه على الإبداع والابتكار، ومعرفة أسواق جديدة، وإضافة قنوات اتصال جديدة إلي ما لديه.
7- جل ما يهم هو معدل العائد على الاستثمار
كثير من الشركات تنظر إلى أي قرار تسويقي على أن العائد من وراءه هو المزيد من الربح، متمثلاً في معدل مرتفع للعائد على الاستثمار. إذا كان هذا هو المعيار الوحيد للحكم، فنستطيع القول أن أداء غالبية الشركات منخفض جداً في أفضل الظروف، أو في أسوأها أن غالبية الشركات معرضة للسقوط أمام المنافسين.
لماذا؟ لأنه لا يجب ربط جميع القرارات التسويقية بناتج إيجابي للعائد على الاستثمار، فأحياناً يجب على الشركة اتخاذ قرارات استراتيجية تؤدي لانخفاض الربحية في مقابل تقوية أقسام أخرى من الشركة، وكمثال على ذلك، قد تنفق شركة ما الكثير الكثير من الأموال على تطوير منتج جديد – ترى الدراسات والأبحاث أنه قد يكون منتجاً رابحاً – على أنه هذا المنتج الجديد سيسبب الكثير من المضايقات للمنتجات المنافسة.
ما يدفع المنافسين لإنفاق المزيد من الموارد للتأكيد على حفاظ منتجاتهم على مكانتها في السوق، وهذا سيؤدي لزيادة الوقت الذي سيحتاجونه لتطوير منتجات جديدة يمكنها منافسة منتجاتنا المستقبلية في السوق.
8-من يحتاج للتخطيط
يشعر مسئولو التسويق في الصناعات سريعة الحركة أن وضع الخطط متوسطة وطويلة المدى لهو مضيعة للوقت، لأن أسواقهم تتحرك بسرعة كبيرة جداً. على أن الفشل في وضع خطة سيؤدي لحدوث مفاجآت كبيرة، مثل انعدام السيولة المالية.
في بيئة عمل يتم اتخاذ القرارات فيها بسرعة، تزيد فيها كذلك فرصة الجهل بالأوجه التي يتم فيها إنفاق المال. يمكن لخطة تسويقية أن تساعد الشركة على التحكم في المصاريف التسويقية، كما تساعد واضع الخطط على النظر للوراء لمعرفة إلى أين تسير الشركة، وتساعده أيضاً في الحصول على معلومات هامة لم يكن ليعرفها من قبل.
بالإضافة لذلك، تضع الخطة التسويقية جميع أقسام الشركة على خط واحد يسيرون جميعاً فيه. حتى ولوا كان مدى الخطة ستة شهور فقط، فهو إجراء يجب إتباعه دائماً.