دعونا الآن نكمل باقى فصول الكتاب الرائع..التسويق بدون استحياء..وموعدنا اليوم مع الفصل السابع الذى اختار له الكاتب جون سبولسترا عنوان “المغامرة في التسويق” ووصفه بهذه المقولة:
عندما تلوح لك فرصة عظيمة – لكنك غير قادر على تجربتها، استغلها بدون تردد
تصور الشركة التالية، جاردن برجر، التي تخصصت في إعداد شطائر – ساندويتشات – برجر نباتي، مصنوع من حبوب الرز البني مع مزيج من البهارات والبيض للحفاظ على هيئته لتبدو مثل ساندويتشات البرجر المعتمدة على شرائح اللحم. أما عن العملاء، فهم نسبة لا بأس بها، فالنباتيون الذين لا يأكلون أي شيء دخل في تركيبه لحوم (أو بشكل أدق، كل ما تسبب عنه موت حيوان) إلى ازدياد.
لكن لكي تحقق هذه الشركة معدل نمو كبير، لا يمكنها الاكتفاء بشريحة العملاء النباتيين فقط، بل يجب عليها أن تبحث عن طريقة تستقطب بها بقية شرائح العملاء – خارج إطار النباتيين، وأن تنافس عمالقة سلاسل محلات البرجر التقليدية. ليس هذا فحسب، بل إن ميزانية التسويق لدى هذه الشركة صغيرة جدا (نحن هنا نتحدث وفق معايير الشركات الأمريكية – لذا لا تقارنها ببلادنا العربية).
كيف تقنع محبي أكل اللحوم بطلب برجر الأرز بدلا منها؟ لفعل ذلك، قررت جاردن برجر التسويق بكل اندفاع، بأن اشترت إعلانا تليفزيوني مدته 30 ثانية، يُعرض مرة واحدة، ضمن سياق الحلقة الأخيرة من مسلسل تليفزيوني كوميدي شهير (ساينفيلد)، تحديدا التاسعة مساء في يوم 14 مايو من عام 1998.
كم تكلفة هذه الثواني الثلاثين؟ مليون ونصف دولار. كم بلغت عوائد الشركة في العام السابق للإعلان؟ 39 مليون دولار. كم بلغت ميزانية الدعاية والإعلان السنوية للشركة؟ 3.3 مليون دولار.
الآن، تخيل نفسك تعرض هذه الفكرة على إدارة الشركة: يا شباب، أريد نصف الميزانية السنوية لأنفقها على إعلان واحد فقط. أنا شخصيا كنت لأرفض مغامرة مثل هذه!
كيف حسبتها شركة جاردن برجر؟ عبر هذا الإعلان الوحيد، أرادت الشركة ضرب سربا من العصافير بحجر واحد:
أرادت الشركة القفز خارج سرب المطاعم النباتية، والتميز عنها، والتركيز على أن ما تقدمه من طعام قليل الدهون وصحي أكثر ولذيذ الطعم. لتفعل ذلك، كان عليها استغلال فرصة حدث جماهيري كبير.
ورأت الشركة أن الحلقة الأخيرة من مسلسل ساينفيلد هي الفرصة المناسبة. هذه الحلقات كانت من الشهرة بحيث وثق الجميع أن أخيرتها ستجعل الكثير من المشاهدين يتابعونها.
حين فعلت ذلك جاردن برجر، جلبت إليها ضجة إعلامية كبيرة، جعلت قرابة 400 محطة تليفزيون وراديو وصحيفة يتحدثون عن هذه الصغيرة التي غامرت بكل شيء في إعلان واحد. هذه الضجة الإعلامية حققت نتائج قوية فاقت نتائج الإعلان ذاته.
كان الجمهور يبحث عن شيء جديد، ولو فعلت كوكا كولا أو جنرال موتورز الأمر ذاته لما تفاعل معها الجمهور فهذا هو المعتاد، لكن أن تغامر شركة مغمورة كل هذه المغامرة، فهذا ما يوافق طبيعة الشعب الأمريكي المحب للمغامرة – أو بشكل أدق المقامرة.
لكن ما جدوى الضجة الإعلامية إذا تأثر بها المشاهد وذهب للمحلات بحثا عن المنتج المعلن عنه فلم يجده؟ لتفادي ذلك، زادت الشركة من منتجاتها عبر إنتاج نكهات جديدة، وعبر إغراق قنوات التوزيع المعتادة لها بمنتجاتها، والتعاون مع كبار الموزعين والتجار من أجل توفير نكهاتها ومنتجاتها على رفوف العرض في المتاجر.
لكن كيف تقنع هؤلاء بإفساح مجال أكبر لمنتجاتك؟ بأن تخبرهم بأنك ستضع إعلانا ضمن الحلقة الختامية في واحدة من أشهر المسلسلات التليفزيونية الكوميدية الأمريكية!
لكن حتى مع كل هذا، فالناس عادتهم النسيان، ولذا كان لابد من ركوب الموجة والاستمرار في الدعاية والإعلان، فإعلان واحد سيضعك في أذهان الناس، لكن لكي تبقى هناك، عليك إتباعه بخطوات ودعايات أخرى. من أجل هذا، زادت الشركة ميزانية الدعاية السنوية من 3.3 مليون إلى 12 مليون، لكنها أنفقتها كلها خلال شهور ثلاثة.
وكيف جاءت العواقب؟ زادت المبيعات – الشهرية - بمقدار 411%، واستمرت في الزيادة لفترة طويلة، ففيربع سنة بلغت المبيعات 33 مليون دولار، وهي مبيعات كانت تحتاج سنة أو أطول لتتحقق، حتى بلغت المبيعات السنوية 71 مليون دولار.
كما زادت حصة الشركة من السوق كله من 34% إلى 56% ونتج عن هذه الدعايات أن زاد حجم سوق الأطعمة النباتية كله، حصلت الشركة على 78% من هذه الزيادة الكلية في السوق.
فقط للتذكير، في السنة قبل هذه المغامرة التسويقية، كانت شركة جاردن برجر تحقق خسائر مؤلمة تنبئ بقرب غلق أبوابها، لكن بعد هذه المغامرة، تحولت الشركة لترفل في الأرباح.
ملاحظة هامة:
لا تفهم هذا الكلام على أنه دعوة لأن تضع البيض كله في سلة واحدة، لكن افهمه على أنه إذا وجدت فرصة نادرة سانحة لا تتكرر، وكان بإمكانك استغلالها – افعل ولا تتردد.
كذلك، يجب أن تتأكد أن كل الظروف مواتية، فالإعلان وحده لم يحقق الأثر الكبير، بل اهتمام وسائل الدعاية والإعلام بهذه المغامرة، فلو كانت وسائل الدعاية والإعلام في بلدك غير حرة.
لا تطبل ولا تزغرد سوى لمن يدفع لها، فمثل هذه الطريقة لن تجدي… لكن ابق عيونك مفتوحة لاستغلال فرصة مثل هذه، حدث كبير سيجتمع له الناس كلهم…
في عام 2002 تجاهلت جاردن برجر شركة منافسة لها، فكانت عاقبتها أنها كادت تفلس مرة أخرى في عام 2005 حتى اشترتها شركة كيلوج في 2006. مرة أخرى، نجاحك مرة لا يعني نجاحك إلى الأبد…
بهذا انتهى الفصل السابع من كتاب Marketing Outrageously للمسوق الرائع جون سبولسترا Jon Spoelstra
التجديد روح التسويق
[...] جاردن برجر نجاح مغامرة تسويق [...]