لا زلنا مع تلخيص كتاب Copy This في الفصل السابع وعنوانه: الحياة نزهة
لعل أهم ما تميزت به كينكوز عن غيرها من الشركات: خلع رداء الوقار والعمل، بشكل دوري سنوي، للانغماس في نزهة خلوية جماعية ترفيهية، ليست كغيرها من النزهات. يرى بول أنك لا تجد من يريد أن يتبع قائدا مرهقا منهكا تعيسا، ولذا فهو يفضل التفكير بقوة على العمل بقوة، فالتفكير الأمثل يقلل الساعات التي يجب عليك قضائها في العمل والكد، وبدون راحة واستجمام، فإننا نفقد القدرة على التفكير بشكل صحيح ومثمر.
بداية من عام 1971 وكينكوز تقيم حفلها السنوي لجميع العاملين، فردا فردا، دون أن يتخلف صغير أو كبير، وكان يُطلب من الجميع إحضار أصدقائهم وعائلاتهم وحيواناتهم ومن يهتمون لأمرهم إلى هذه الحفلات، وكان الحضور بأي شيء إلا الملابس الرسمية، وكان الشركاء يتولون بأنفسهم طهي أصابع السجق وشوي اللحم وزوجاتهم تتولى المشروبات، أما بول، فكان تخصصه اللهو والمرح والتهريج.
كانت بعض هذه الحفلات تقام على شاطئ البحر/المحيط/البحيرة، وكان بول يمسك بخرطوم ماء ويرش الجميع بالماء، فيرد عليه البقية برشه بما تسنى لهم، وهكذا يبدأ جو المرح، فلا فرق بين مدير وأجير، فينخرط الجميع – دون تكلف أو تصنع – في لهو أسري جماعي. كانت هذه الحفلات سلاح بول لكي يجعل المتنافرين من العاملين يتآلفون معا، وكانت هذه الحفلات كفيلة بإذابة الجليد، وكانت تجعل الجميع يتعرف على الجميع، فتصهرهم في قالب واحد، وعائلة واحدة كبيرة.
بالطبع، فكرة كهذه غريبة على عالمنا العربي، ولربما جلب علي حديثي عنها بعض التعليقات السلبية مثل: أنت تتحدث عن شيء لن يمكننا تطبيقه في بلادنا، لكن هدف بول كان بسيطا: عندما ينسى الجميع تحفظاتهم، ويضعون أقنعتهم المزيفة، نتيجة اندماجهم في جو الحفل، كان بول يتمكن من النظر عن كثب ليعرف التفاحات الناضجة من تلك الفاسدة، لقد كانت هذه الحفلات السبيل السحري للتعرف بدقة على شخصية كل عامل، والحكم عليه على أرض الواقع.
أذكر مرة صديقا حكا لي عن حفلة مماثلة، حيث دعا صاحب ومؤسس الشركة فريق العمل إلى مزرعته الخاصة، وكان الحضور بالملابس الرسمية، وبعد جلسة تعذيب، أجبر فيها الجميع على الاستماع إلى عزف على البيانو من وعاء المال (صاحب الشركة) تلاها جلسة مملة للاستماع إلى خطبة عصماء عن مناقب الشركة وانجازاتها، على يد العبقري الأوحد… لقد كان ظن المدير أنه يحقق ما تنادي به كتب الإدارة، لكنه بدلا من أن يذيب الجليد، كان يصنع عوائق من الصلب بينه وبين فريق العمل… إنه التنفيذ وفق هوى النفس.
كانت من علامات نجاح حفلات كينكوز، أن لم يتخلف عنها أحد ممن حضرها مرة، كما أن العديد من الشركاء الذين كانوا غير واثقين – هل يدخلون في شراكة مع الشاب ذي الشعر المتجعد أم لا، كانوا يخرجون من هذه الحفلات ليصبحوا من الشركاء الناجحين. لشدة نجاح هذه الحفلات، طالت حتى أصبحت عدة أيام.
شيئا فشيئا، زاد عدد الحضور ليصبح آلافا مؤلفة، فقد كان مشهد صاحب ومؤسس الشركة، وهو يرش الجميع بالماء، فيتلقى الرد المناسب، مشهدا لا يُنسى أو بالذي يُفوت. كان بول يصر على مصافحة كل فرد من العاملين بنفسه، وإهدائه قبعة أو قميص عليه اسم الشركة، وكان يتحدث مع كل واحد منهم، ويسأله عن العمل وعما يضايقه، في حياته الخاصة قبل العمل، ولذا حين اشتكى أحدهم مثلا أن الحي الذي يقطن فيه يخلو من الأطباء المتعاقد معهم في التأمين الصحي، عالج بول الأمر على الفور وجعل برنامج الشركة يضم أطباء في منطقته.
ربما ستقول إن هذا أمر تافه، أو ليس بالذي يؤثر على سير العمل، وهنا حيث تخطئ يا عزيزي، فما تراه أنت هينا، هو عظيم في عين فرد الفريق، وطالما هو باله مشغول، فلن يعطيك أفضل ما عنده. للأسف، طريقة التفكير العربية في نقطة كهذه طائشة بعض الشيء، فستجد قائلا يقول اصرف هذا وعين غيره بديلا، لكن كل فرد على ظهر هذه الأرض لديه مشاكل تؤرقه، عرفتها أم أنكرتها، أم روعته على إجبارها، هذا ما سيحدد أي المديرين أنت، وأي الشركات شركتك.
كان بول يسعى دائما لسؤال جميع العاملين معه هذا السؤال: ماذا يمكننا فعله لكي نجعل حياتك أفضل وأحسن وأسهل، وكان يغضب حين يخشى أحدهم من العواقب، فهو كان ينقب ليعالج، لا ليعاقب. كان بول يهدف لأن يجعل الجميع يتحدثون، عما بداخلهم، ومع بعضهم البعض في كل فرع ومنطقة وولاية.
لاحظ بول، من واقع خبرته الطويلة، أن رؤساء الأقسام (التنفيذيين) – هؤلاء الذين يقبضون راتبا دون مشاركة في أسهم الشركة – يحبون أن يكذب الآخرون عليهم، ويريدون سماع أكاذيب عن سير كل شيء على ما يُرام، ويتفادون الاستماع إلى مشاكل العمل، ويهتمون أكثر بتطوير قدراتهم وخبراتهم لتحسين مستقبلهم المهني، على حساب الشركات التي يعملون لها.
يشاركنا بول نصيحة والده له: إذا توقف رجال المبيعات لديك عن الشكوى إليك، فاعرف أنك واقع في مشكلة كبيرة، أو ما يمكن ترجمته إلى: من يعملون بكد وجهد، سيعودون لك بالمشاكل لتحلها، وسيقفون فوق رأسك حتى تفعل.
يوضح لنا بول أن 80 في المائة من المعلومات التي يحصل عليها من يحضرون المؤتمرات والدورات التدريبية، إنما يحصلون عليها من الدردشات الصغيرة أثناء فترات الراحة ما بين المحاضرات والجلسات، وعليه، حافظ بول على زيادة فترات الراحة هذه، بشكل كبير. لذا كان بول حين يحتاج لعقد اجتماع مع شركائه، كان يدعوهم إلى فندق ما، في مكان بعيد، يذهبون إليه جميعا، ثم يتناولون الطعام، ويلهون بعض الوقت، ثم يصعدون إلى غرفة أحدهم في الفندق، ويتحدثون عن العمل.
تقبل عيوبك، وامزح عليها
ينصحنا بول بأن نمضي في رحلة الحياة، ونحن متقبلون أنفسنا، على علاتها وعيوبها ونواقصها، فالفتي بول كان مفروضا عليه لعب دور المهرج أثناء دراسته، لأنه غير قادر على التعلم مثل أقرانه، وهذا جعله يقترب من أقران مشابهين له في العلات والعيوب، وهو تعلم منهم أن يتعايش مع ما منحته له الحياة، وأن يتقبل ما لديه بروح مرحة ضاحكة، هذا التقبل كان بناءً بشكل خيالي النتائج الإيجابية.
كان أكثر شيء يأخذه العاملون والمالكون في كينكوز بكل جدية، دفع الرواتب في ميعادها، وتقديم أفضل خدمة ممكنة للعملاء، لكنهم أبدا لم يسعوا للتنابز أو لأن يصعد واحد منهم على عيوب الآخر. لقد كان هدف الجميع أن يجعلوا من بيئة العمل بيئة مرحة خفيفة تشرح النفس وتسرها.
لا تأخذ الحياة بجدية صارمة، ولا تنس أننا نحتاج لأن نضحك ونلهو ونلعب، لهذا تجد الأطفال يضحكون كثيرا، بينما نحن معاشر الكبار، نتجهم كثيرا… تعلم أن تهون الأمور!