فواصل

من خسارة اليوم الى مكاسب الغد

لا زلنا مع تلخيص كتاب Copy This في الفصل التاسع وعنوانه: راقب ما تفعله من خير أو شرراقب ما تفعله من خير أو شر“البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، ابن آدم اصنع ما شئت فكما تدين تدان” صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. أما في هذا الفصل، فيعود بول ليتحدث عن الطيبة، ومزاياها، أو ما يسميه الهنود كارما، حيث تعرف بول على معنى هذه الكلمة من محل هندي مقابل له، حمل اسم كريشنا، ولأن المحل كان يشغل عمالا مهاجرين بشكل غير قانوني، يدفع لهم دراهم معدودة، ما جعله يهبط بسعر خدماته بشدة، حتى أضر بمحلات كينكوز، التي تحترم القانون بقوة، وتدلل العاملين لديها والمتعاملين، مما جعلها لا تستطيع خفض تكاليفها بشكل مساو له. رفع بول سماعة الهاتف، واتصل بمصلحة الضرائب الأمريكية، وتصنع أنه عامل في محل كريشنا، يسأل عن كيفية دفع الضرائب، وما المطلوب بالضبط، ثم أغلق الخط معهم. لكن المكالمة التالية كانت من محاسب كينكوز، يزف إليه نبأ حدوث خطأ في احتساب الضريبة، جعل محلات كينكوز تدفع 50 ألف دولار زائدة عما كان يجب أن تدفعه، وهذا الخبر اعتبره بول هدية السماء له، لأنه لم يبلغ عن المحل المنافس بشكل مباشر. فهم بول أن الله عز وجل شاهد ومطلع، يقتص للمظلومين، ويثيب الصالحين، بغض النظر عن الاسم الذي تعطيه لهذه الحقيقة البسيطة. يذكر بول نتيجة دراسة على 1500 شركة خاصة مفتوحة ذات أسهم في البورصة، وجدت أن الشركات ذات الاهتمام الكبير بأخلاقيات العمل والتعامل، حققت أرباحا أكثر، ونسب أكبر في زيادة المبيعات السنوية، ونسبة أقل في المصاريف التشغيلية العامة. يؤكد بول من واقع خبرته، أن الناس بحاجة لفهم الحقيقة البسيطة: ستجني أموالا أكثر، على المدى البعيد، إذا التزمت بالاستقامة. كان بول دائم الوقوف مع من احتاج من العاملين للمال أو لإجازة طويلة، مثلما حدث حين عينت كينكوز أما وحيدة عجزت عن دفع إيجار بيتها، فدفعته لها كينكوز حتى تمكنت هي من دفعه فيما بعد، أو حين رفضت شركة التأمين الصحي دفع مصاريف علاج عامل ما بسبب بعض الأخطاء في الإجراءات فما كان من كينكوز كلها إلا أن صاحت وماجت ولم تهدأ حتى دفعت شركة التأمين هذه المصاريف. كذلك أرسلت كينكوز من عانى لديها من مشاكل إدمان أو أزمات نفسية إلى مصحات ودور النقاهة. يزهو بول بأن كينكوز لم تواجه مشاكل أبدا في السداد الشهري للقروض التي نقدتها للعاملين معهم. ثق في الناس، لكن تأكد أن ثقتك في محلها. في كينكوز، كانت جميع ماكينات التصوير تحمل عدادات داخلية تظهر عدد الأوراق المنسوخة، وكان نظام المحاسبة الداخلي يقتضي إيداع العوائد اليومية في البنوك، والمراجعة مع المحاسب المركزي. كان بول على قناعة أنه إذا ظهرت مخالفة بسيطة من عامل أو شريك، دل هذا على أن الأمر أكبر من ذلك، فحين حمّل شريك نفقات شراء ملابس جديدة له على حساب الشركة، تبين فيما بعد أنه انغمس في القمار بشكل توجب صرفه من العمل. عمد بول إلى استعمال مبدأ المشتري السري، الذي يذهب إلى كل محل، ويراقب أمانة ونزاهة العاملين، وهل يحاولون تقديم أفضل مستوى خدمة، وهل يشرحون للعملاء الخدمات الإضافية التي تقدمها كينكوز. أما بول نفسه، فكان يخبر الفروع بشكل مبكر قبل زيارته، ليعطيهم الفرصة كي يستعدوا لزيارته، ورغم ذلك فإنه كان يعثر على مشاكل عدة، وكذلك أفكار جديدة. كان بول يبني زياراته على أساس الثقة والاحترام والأدب. رغم اهتمام كينكوز بالعاملين معها، لكن بول أدرك كذلك أنه يجب صرف بعض العاملين الذين رفضوا التوافق مع مبادئ كينكوز. عندما كان بول يجري مقابلات لتعيين عاملين جدد، كان يسأل ما الراتب الواجب على الشركة دفعه لك، وكانت الإجابة عادة أرقاما متدنية، فالجميع لا يعرف قيمته الحقيقية. حين سأل بول بعض شركائه، هل نخسر بعض العملاء بسبب أسعارنا المرتفعة؟ لما جاءت الإجابة بالنفي، طلب منهم بول أن يبدؤوا في ذلك! كان هدف بول الخروج من تجارة السلع إلى الخدمات الفريدة من نوعها، ذات المقابل المادي المرتفع. يرى بول أنه لا بأس بخسارة بعض العملاء، حتى نعثر على القيمة الحقيقية للخدمات التي نقدمها. من الناحية الأخرى، لم يُعجب بول أبدا بالبائعين المتباهين بمقدار مصهم لدماء العملاء، ولم يرد أبدا العمل معهم، فتحميل العملاء مقابل مادي أزيد من المستحق يتنافى مع سياسة كينكوز، المبنية على أساس إنشاء علاقة طويلة الأجل مع العملاء. لكن كيف تعرف الفرق بين المبالغة في السعر وبين بخس قيمة ما تقدمه من خدمات؟ عبر تقديم خدمات لا مثيل لها، ذات مستوى مرتفع للغاية، والتساؤل، ما السعر الذي يمكن للسوق تحمله مقابل هذه الخدمة الفريدة؟ هل التجارة فن أم علم؟ كثيرا ما سأل بول هذا السؤال، ويجيبه صغار الخريجين بأنها علم محسوب بدقة، ويجيبه المخضرمون كبار السن أنها فن، ويرى بول أنه عبر الخبرة يتعلم الفرد كيف يتعرف على حدود المناطق الرمادية، مثل تلك المنطقة غير واضحة المعالم ما بين البخس والمغالاة في السعر. صرف العملاء رغم أهمية المحافظة على العملاء بشدة، لكن سياسة كينكوز تقوم على مراعاة صالح العامل والعميل، معًا، ولهذا توجب التخلص من العملاء قبيحي الأخلاق الأفظاظ عند المعاملة، وهذه كانت منطقة رمادية يصعب إخضاعها لقواعد صماء، لذا تعين تركها لخبرة المدراء. أهمية الحفاظ على المواعيد يؤكد بول على أهمية احترام المواعيد، ويذكر كيف اعتاد الوقوف صباحا في مدخل شركته يسلم على العاملين الواصلين، ويسأل كل متأخر عن سبب تأخره. حين يعطي بول محاضراته الجامعية في الأعمال، فالطالب الذي يتأخر عن الموعد عليه أن يقف أمام الصف كله، يعرض سبب تأخره، وإن لم يقبله بول، طلب منه الخروج وإعادة صياغة عذره، ثم الدخول من جديد وتقديم عذره بشكل مقبول ومرتب. لا يتغيب أي طالب عن حصة بول، فهو لديه أرقام هواتف كل واحد منهم، يتصل به على الفور، كما لا ينام طالب في محاضرته، فالكل يشارك في الحوار وتبادل الأفكار، كما هو الحال في دنيا الأعمال. خمس دقائق، لا أكثر يخبرنا بول عن أهمية ترتيب الأفكار والكلمات، فهو يمهل كل صاحب فكرة أو طلب أو عذر خمسا من الدقائق، فإذا لم يقتنع خلالها بول بالمبدأ، رفض العرض والفكرة، أو طلب منه إعادة صياغتها من جديد. الأعمال وحفاوة اللقاء يتعجب بول من المدراء الذين يحضر إلى مكاتبهم أناس للاجتماع بهم، ثم لا يخرجون من مكاتبهم ليشكروهم على الحضور ويطلبون منهم الانتظار، كما يفعل بول، الذي كان ينزل مع زواره حتى أماكن ركن سياراتهم ليودعهم. ورث بول هذه الحرارة والحفاوة من والديه اللبنانيين! انظر للأمام، لا لنواقص البشر كثيرا ما لحق الأذى ببول جراء البشر، من شركاء وعاملين وأفراد العائلة، لكنه تعلم دائما أن الاهتمام والاغتمام بهذه الأمور يسحبه للوراء، وأن أفضل شيء يفعله، هو أن يترك الماضي وراءه، ويتطلع للأمام، ويترك من غدروا به للقوى الإلهية، أو قوى الكارما، والتي تفصل بينهم.

مقالات ذات صلة

اضف رد