فواصل

كيف ينظم المسلم وقته؟

كيف ينظم المسلم وقته؟

الوقت هو الحياة، لكنَّ كثيراً من الناس يقضون هذا الوقت فيما لا نفع منه، أو لا يحسنون ترتيب أوقاتهم وبرمجتها حسب الأولويات والمهمات، وفي هذا الدرس وضع الشيخ النقاط على الحروف، من خلال البرامج والخطط المتبعة في تنظيم الوقت والوسائل المعينة على استغلاله دون أن تذهب دقائقه وساعاته حسرات، إضافة إلى ذكر بعض مضيعات الوقت لتلافيها.

الوقت هو الحياة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين. وبعد: أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلس ذكر تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وأن يجعلنا وإياكم في ديوان المذكورين عنده. الوقت هو الحياة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) وفي الحديث الآخر: (اغتنم خمساً قبل خمس ومنها حياتك قبل موتك) فبما أن الوقت هو الحياة، فيكون المعنى: اغتنم وقتك هذا الذي هو حياتك قبل أن يأتيك الموت فتنقطع عن الدنيا، ويكون ليس عندك ثمة وقت تشغله في طاعة من الطاعات. ولذلك يجب على المسلم أن تكون عنده غيرة شديدة على وقته، ويجب أن يتضايق جداً إذا ضاع شيء من أوقاته فيما لا ينفع، ويجب أن تظهر عليه علامات الأسى والأسف والندم إذا تفلتت منه أوقات بغير فائدة، وهذا هو شأن عباد الله العقلاء، ولكن من الخلق من يقول: لا ندري كيف نقضي أوقاتنا، ولا ندري كيف نمضي هذا الوقت، ولا ندري كيف نقتله، ولذلك تسمع منهم عبارات زهق وطفش وضيق وملل.. ونحو ذلك. قال ابن القيم رحمه الله تعالى “الغيرة غيرتان: غيرة على الشيء وغيرة من الشيء، فالغيرة على المحبوب حرصك عليه، والغيرة من المكروه أن يزاحمك عليه، فالغيرة على المحبوب لا تتم إلا بالغيرة من المزاحم” إذا أردت أن تحافظ على وقتك؛ يجب أن تغار على هذا الوقت، وتغار من الأشياء التي تزاحم الاستفادة من هذا الوقت. ثم قال رحمه الله: “وكذلك يغار المسلم على أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضا محبوبه وهو الله عز وجل، فهذه الغيرة من جهة العبد غيرة من المزاحم المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبه. إن الزوجة تغار من الزوجة الأخرى؛ لأنها زاحمتها فيه، ويصبح الوقت ذا قيمة عندما يكون هناك هدف، وعندما تكون هناك رسالة يصبح وقت الإنسان ثميناً جداً، والناس الذين ليس لديهم رسالة؛ يعيشون في الدنيا بغير هدف، فأوقاتهم لا قيمة لها، ولذلك لا يشعرون بالوقت وهو يمضي. ونحن المسلمين أصحاب رسالة وهدف، لذلك يجب أن يكون لوقتنا أهمية كبيرة جداً في إحساسنا وشعورنا، أرأيت الطالب عندما يبقى على الامتحانات أسبوع؛ كيف تكون قيمة الوقت عنده كبيرة جداً، لأن هناك هدفاً حاضراً يشتغل من أجله الآن، فإذا انقضت الامتحانات وجاءت العطلة، وجدت الوقت عنده لا يكال بأي كيل، ويذهب هكذا هدراً، وتقفز إلى قائمة أوقاته فترات الراحة والاستجمام والتسلية والنوم. لماذا لا نشعر أننا في سباق نحو الآخرة؟ لماذا لا نستشعر الأهداف والمسئوليات التي أنيطت بنا؟  أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ  [المؤمنون:115] وقال الله عز وجل:  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  [الذاريات:56] ..  وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ  [هود:119]. فلأننا أصحاب رسالة وأصحاب هدف وأصحاب مسئوليات.

قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل:

أن تكون مثل هؤلاء الحيوانات الذين يسرحون ويمرحون بلا هدف، أوقاتهم ليس لها أي قيمة، فقد يتساءل كثير من الناس: هذا اليوم وهذه الليلة أربع وعشرون ساعة كيف ننظم هذا الوقت؟ كيف نستغله؟ كيف نوفر الأوقات؟ كيف نحصل على مزيد من الوقت؟ إن المسلم العاقل الفطن يقول: أريد وقتاً زيادة؛ لأن عندي أشياء كثيرة أريد أن أعملها، والفارغ البطال يقول: لا أدري كيف أمضي الوقت، ويتمنى ذلك العاقل لو اشترى وقت البطال بأغلى الأثمان، ويقول: يا ليت عندي وقت فلان لكي أعمل أعمالاً إضافية كثيرة أريد أن أعملها. ويجب أن ينطلق المسلم في تفكيره في استغلاله لوقته من واقعه ووضعه وإمكانياته، وليس بناءً على شطحات من الخيال، ولا على توهمات ولا على أوضاع ماضية، فمثلاً: ليس من الصحيح أن يفكر في الطالب الجامعي وهو يريد أن يجدول وقته بظروف المرحلة الثانوية، أو يفكر في الموظف وهو يريد أن يجدول وقته بناء على معطيات المرحلة الجامعية.. وهكذا.

أهمية الترتيب والتخطيط وصرف الوقت لذلك:

ومن الأساليب التي توفر الوقت: اصرف وقتاً في البداية، ما معنى هذا الكلام؟

الترتيب:

إن توفير الوقت يتطلب أحياناً صرف وقت كبير في بداية الأمر، ولكن الإنسان سيستريح فيما بعد، ويوفر أوقاتاً كثيرة كان سيقضيها في البحث عن أشياء ضائعة في الأكوام غير المرتبة من الكتب والأغراض الشخصية، فمثلاً: طالب العلم يحتاج في البداية إلى ترتيب مكتبته أو عمل فهرسة لها وتصنيف الكتب ووضعها في أدراج وتقسيمات معينة ويحافظ على هذا الترتيب، ليس أن يرتب في البداية ثم يهمل بل يحافظ على هذا الترتيب، هذه العملية تأخذ وقتاً كبيراً، ولكنها توفر عليه أوقاتاً تضيع عادة في البحث عن كتاب ضائع وسط أكوام الكتب الملقاة بعضها فوق بعض، وكذلك الذين يضعون ثيابهم بعضها فوق بعض ثم يحتار: أين النظيف من المتسخ؟ وبعض الناس من طبيعتهم أنهم لا يحبون الترتيب، ويقولون: نحن ضد الروتين كما يقولون، ولذلك فإنهم غير مستعدين أن يسيروا على أي خطة، ويتضايقون إذا حددوا بأشياء معينة، ولذلك يريد أن يكون الواحد منهم سبهللاً يمشي فارغاً بدون هدف. وبعض الناس يتركون للآخرين ترتيب الوقت لأشياء معينة، فتجد الطالب مثلاً يترك للمدرسة ترتيب جدول الحصص وكذلك في الجامعة، وكذلك الموظف في الشركة وقته محدود بنظام الشركة، لكن اسأل هؤلاء ماذا يعملون في النصف الآخر من يومهم بعد أن يخرجوا من المدرسة أو الجامعة أو الشركة؟ أجبروا على نظام معين وخطة معينة في الجامعة أو في الشركة ولكن في بقية النهار والليل ماذا يفعلون؟

الجدولة والتخطيط وشروطهما:

لا بد أن يكون المسلم واعياً، لا بد أن يكون مخططاً لكل ما يريد أن يفعله، فعلى سبيل المثال: إن إنفاق عشر دقائق مثلاً في أول كل يوم في كتابة مذكرة صغيرة بما ينبغي أن تفعله في هذا اليوم، أو مثل ذلك في آخر كل يوم بما تنوي أن تفعله في اليوم التالي، يوفر عليك عناءً كبيراً، ويجنبك نسيان ما يجب أن تفعله في المستقبل، وإذا كان بعض الناس ذوي ذاكرة طيبة؛ فلا بأس أن يجدولوا أعمالهم في أذهانهم، ولكن كثيراً من الناس من سريعي النسيان ينبغي أن يعمد إلى الكتابة، ولئن كان وأهل الدنيا يجعلون جداول زمنية لإنهاء مشاريعهم ومقاولاتهم، فتجد المقاول يعمل جدولاً زمنياً دقيقاً ومرتباً لمراحل العمل، فيقسم المراحل ويجعل لكل مرحلة وقتاً معيناً يجب أن تنتهي فيه هذه المرحلة، وتكلفة هذه المرحلة، والعمال في هذه المرحلة، والمواد المستخدمة في هذه المرحلة، وهكذا يعملون بدقة لكي يكسبوا مالاً في النهاية. نحن المسلمين أصحاب الرسالة يجب أن نكون أشد من هؤلاء تخطيطاً ودقة في تصريف أوقاتنا، واسأل نفسك هذين السؤالين قبل أن ترتب أي جدول أو تنظم أي خطة: أولاً: هل هذه الأعمال التي تريد أن ترتبها هي من مرضاة الله؟ ثانياً: كيف تقوم بها على خير وجه؟ بعض الناس يأتون بلائحة من الأعمال، ويتفننون جيداً في الطريقة المثلى للقيام بكل عمل، فعندهم كفاءة عالية في أداء الأعمال، لكنهم لا يسألون أنفسهم قبل هذا: هل هذا العمل أصلاً مجزي ومثمر؟ مثلاً يستطيع إنسان أن يرقص بشكل صحيح وكفاءة عالية ويستطيع أن ينظم جدول طيران إلى مكان من أمكنة الفسق بأقصر وقت وأقل تكلفة، فهذا تنظيم ممتاز وتنفيذ رهيب، لكن هذا العمل أصلاً هل هو من طاعة الله؟ فيحتاج أن نفكر من هذين المنطلقين. وفائدة الجدولة ووضع الجداول كبيرة، وخصوصاً أنها تشعر الشخص الذي ينظم وقته بأي انحراف في صرف الأوقات، وتنبهه لأي ضياع في هذه الأوقات؛ لأنه يسير على خطة، فهو يشعر من خلال تنفيذ الخطة بأي انحراف، بخلاف الذين يسيرون على غير خطة -عشوائياً- لا يشعر بالأوقات الضائعة.

أسباب فشل تنفيذ الخطط والبرامج:

كثير من الإخوان يقول: لقد جربنا فوضعنا، ولكننا فشلنا في تنفيذها، وتحمسنا في بداية الأمر لأيامٍ معدودات ثم تعبنا، فأطلقنا الأمور على عواهنها. لهذا الفشل أسباب: منها: أن بعض الناس يلجأ إلى تخصيص كل دقيقة في اليوم، وهذا مستحيل ولا يمكن، فيكون هذا من أسباب الفشل. لا بد أن يجعل الإنسان في خطته أولاً الأشياء المهمة، وثانياً: يجعل أوقات فراغ للأمور التي تطرأ عليه، وكذلك لا بد من التدرج في تنفيذ هذه الجداول والخطط، وليس بهجمة حماسية تنتهي بالفشل الذريع، ويجب أن يأخذ المسلم بعين الاعتبار وهو ينفذ خطة وضعها أن الأشياء الطارئة المهمة من مرضاة الله وطاعته ليست مضيعة للوقت وليست فشلاً لهذا البرنامج، فمثلاً: قد يسير الإنسان على تخطيط معين في هذا اليوم، فجأة في منتصف الجدول يأتيه أحد إخوانه يقول: سيارتي تعطلت أريد أن تذهب معي إلى الورشة مثلاً، هذا العمل قد يستغرق ساعة من الزمن، وهذه الساعة قد تجعل هذا الجدول مختلاً، وبعض الناس قد يتضايقون ويقولون: فشل الجدول وفشلت الخطة، نقول: كلا. لأن المسلم يعمل الأقرب من الطاعات إلى الله عز وجل، والمثالية الزائدة في جدولة الأوقات قد تجعل الشخص كالآلة لا يتفاعل مع الناس، ولا يحس بكثير من المشاعر النبيلة. والمثالية الصرفة قد تجعل الشخص يتعامل مع الناس بجفاء، فليس المطلوب مثلاً أن يكون الإنسان دقيقاً جداً، فيكون ذلك الشخص الذي طلب مرة منه أحد إخوانه موعداً فقال له هذا الشخص المثالي: كم يستغرق الموعد؟ كم تريد؟ قال: ربع ساعة، قال: حسناً، فلما جاء الوقت المحدد قعد معه فتكلم وتكلم، فلما انتهت هذه الدقائق؛ نظر في ساعته، فلما رآها انتهت قام مباشرة دون كلام ولا سلام وخرج من المجلس وصاحبه لم يكمل كلامه بعد، إن مثل هذه الأشياء المثالية جداً قد تجعل بعض الناس بغيضين إلى بعض. وقد يتساءل كثير من الإخوان: نحن نضع برامج وجداول ولكن تأتينا أشياء طارئة كثيرة فما هو التصور تجاه هذه الطوارئ؟ فنقول: نحن مسلمون لدينا علاقات أخوية وروابط اجتماعية، والأشياء الطارئة في هذه الجوانب موجودة بشكل واضح، ونحن دعاة إلى الله عز وجل، وحياة الداعية وأيامه مملوءة بالمفاجأة والأحداث، ولكن ينبغي أن تعلم أيها الأخ المسلم أن الأشياء الطارئة والمهمة لا تعني أن الخطة والجدول فاشل، فإن المهم إرضاء الله في كل لحظة؛ وتقديم ما يحبه الله وليس المهم هو أن ينجح الجدول (100%) فلو أنك تسير على جدول مثلاً ثم بلغك موت قريب لك فماذا تفعل؟ أو جاءك ضيف مثالي فماذا تفعل؟ يجب أن تقوم بحق الضيف، وتذهب للتعزية وحضور الدفن.. ونحو ذلك. ومن أسباب الفشل في تنفيذ الجداول: عدم تعود الناس على هذه الأشياء المحددة، فالنفس تكره التحديد.. النفس تريد الانطلاق بلا حدود، ولذلك فإن النجاح في تنفيذ هذه الخطط يعتمد على تعويد النفس على الالتزام والدقة، وهذا أمر تكرهه النفس، والتعويد أمر صعب، ولكن إذا جاهد الإنسان نفسه من البداية فإن النهاية تكون سعيدة، وإذا جاهد الإنسان نفسه في أن يتعود على أمور معينة، فإن هذه الأمور تصبح طبيعية في النهاية وسهلة، بل إنه يفعلها لا شعورياً دون أن يحس بأي كلفة.

خطوات التعود على العادات الطيبة:

لكي يتعود المسلم على العادات الطيبة فلا بد له من خطوات منها: أن ينطلق في البداية بقوة للتعود على شيء معين وبحكمة، فينطلق بحماس في تنفيذ هذه العادة والتعود عليها وتضبطه الحكمة، وأن ينتهز أقرب فرصة للتعود؛ لأن الإنسان إذا جلس يسوف ويقول: سأتعود في المستقبل؛ فإنه لن يتعود، وقد تضيع الفرصة منه نهائياً، ويكون الفشل أشد مرارة في نفسه من لو أن الفكرة لم تخطر بباله أصلاً. ويمكن للمسلم أن يستعين للتعود على هذه العادات بالآخرين، وهذا ما يؤكد أهمية التربية الجماعية، فإن الإنسان قد يصعب عليه أن يتعود لوحده، لكن إذا التزم مع إخوة له على عادة معينة؛ إن الأمر يصبح سهلاً؛ لأن الجماعة تسهل على الفرد، وقضية أن يلتزم شخص داخل جماعة أسهل من أن يلتزم شخص لمفرده، لأن بعضهم يشجع بعضاً. ومن النصائح في قضية التعود على العادات عدم عمل أي استثناء في البداية حتى تصل العادة، وإلا فإن حليمة سترجع إلى عادتها القديمة، مثلاً: لو شعر الإنسان ببركة الوقت بعد صلاة الفجر وأن الله قد بارك لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في بكورها، فأراد أن يتعود على عدم النوم بعد صلاة الفجر وعلى استغلال الوقت بعد صلاة الفجر، قد يتحمس في اليوم الأول فلا ينام بعد الفجر، ويستغل الوقت في قراءة قرآن وذكر ومذاكرة وعمل، لكن الخطر يكمن في أن بعض الناس في اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع في التعود في الأيام الأولى المبكرة، قد ينام متأخراً نوعاً ما، فيأتي ويقول: هنا أريد استثناء، اليوم نستثني ننام بعد الفجر، وغداً سيكون هناك استثناء آخر وتتعدد الاستثناءات.. وهكذا تفشل قضية التعود.

وسائل توفير الوقت:

توفير الوقت بتحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم:

ومما يعين المسلم على تنظيم أوقاته تحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم، فمثلاً: تحديد موعد النوم.. موعد الوجبات.. موعد الزيارات.. موعد الجلسات.. موعد المذاكرة.. وهكذا. إن دين الإسلام يساعد المسلم على تنظيم وقته بشكل عظيم، فانظر مثلاً إلى الصلوات الخمس، فهي عبارة عن خمسة حدود يومياً موضوعة في اليوم.. خمس محطات تساعدك في تنظيم الوقت، ولذلك تجد مواعيد المسلمين بعد العصر.. بعد العشاء.. بعد المغرب.. بعد الفجر.. قبل المغرب بكذا، أما مواعيد الكفار فليس عندهم هذه الأشياء التي تساعدهم في تحديد وتنفيذ المهمات، لكن المسلم تعوده الصلوات الخمس أن يذهب إلى المسجد في هذا الوقت.. وفي هذا الوقت فهناك أوقات ثابتة يومياً، وهذا من فوائد دين الإسلام. كذلك لا بد من تخصيص وقت للمشاوير، نحن نجد أن المشاوير التي نذهب بها يومياً تأخذ وقتاً من حياتنا، ولذلك لا بد أن يفكر الإنسان قبل أن يخرج في مشوار ما ماذا سيفعل؟ وإذا كان عنده أكثر من حاجة يشتريها يفكر قبل أن يخرج ما هي جميع الحاجات، ثم يفكر في الطريقة المثلى التي يسلكها في مشواره حتى يأتي بجميع الحاجات في أقل وقت، بعض الناس لا يفكرون، يذهب يشتري شيئاً ويرجع للبيت ثم يتذكر شيئاً آخر ويذهب ويشتري.. ويرجع وهكذا، وبعض الناس لا يفكر في الطريق، فيذهب هكذا ويشتري ثم يذهب هكذا ويشتري ثم يرجع إلى المكان الأول ويشتري وهكذا. والتخطيط الجيد عموماً يستلزم ثلاثة عناصر، وهي عبارة عن ثلاثة أسئلة يسألها الإنسان نفسه: ما هي الأشياء التي أشتريها؟ متى أذهب؟ كيف وما هي طريقة المشوار؟

توفير الوقت بتوزيع المهمات:

من الأمور التي تساعد على توفير الأوقات وإن كان لطبقة معينة من الناس: قضية توزيع المهمات، وخصوصاً المطلعين بالمهام التربوية والعلمية، أو مثلاً الأب مع أولاده، إذا أراد الأب أن يقوم بكل شيء في البيت سيستهلك وقتاً كثيراً، ولكن لو استعان بأولاده مثلاً فوزع عليهم المهام، فإنه سيرتاح إلى حد بعيد، وكذلك المربي فإنه إذا وزع المهمات على إخوانه فإنه سيوفر لنفسه وقتاً كثيراً بالإضافة لما يسببه هذا التوزيع من ازدياد ثقة هؤلاء بأنفسهم وتدريبهم على القيام بالأمور الجديدة، وفي نفس الوقت الذي يفرغ وقتاً يستطيع فيه القيام بأمور أخرى هو، أو يزيد كفاءته في أمور يفعلها أصلاً، فلنفرض أن طالب علم مثلاً يدرس في حلقة تجويد وأخرى في التفسير وثالثة في الفقه.. وهكذا وهو منشغل، هذا الرجل لو درب أحد إخوانه على القيام بأمر حلقة التجويد مثلاً، فإن هذا سيفرغه للقيام بشيء آخر مهم، أو زيادة تفرغه لتحضير حلقات التفسير والفقه.. وهكذا. لا بد أن نشير هنا إلى قناعة موجودة عن بعض المعلمين، وهي أنه يريد أن يفعل كل شيء بنفسه، لأنه يعتقد أن الآخرين سيفعلونه بكفاءة أقل أو يفشلون فيه، فلا يوزع المهمات عليهم، ويستشهد بالمقولة المشهورة: “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك”. ونحن نقول: هذا المثل قد يكون صحيحاً فيما هو من شئونه الخاصة، أو فيما يجزم أن غيره لن يستطيع القيام به من خلال التجربة مثلاًً، فأما ما كان من الأمور التي يستطيع أن يفعلها الآخرون؛ فلا يمكن الاستشهاد بمثل هذه المقولة.

توفير الوقت بدفع المال:

ومن وسائل توفير الوقت دفع المال، إذا استطعت أن توفر وقتاً بدفع المال فافعل، وفي المثل المشهور: الوقت من ذهب، ولكن هذا المثل خطأ؛ فإن الوقت لا يقدر بأي قيمة، فالذهب لو خسرته يمكن بعد عدة صفقات أن ترجعه أو تسترجع أكثر منه، لكن الوقت إذا ذهب كيف تسترجعه! هيهات هيهات! ولا يمكن رجوع الوقت ولا شراؤه. ولذلك تجد أنت على سبيل المثال أجهزة الهاتف بعضها مثلاً بالأزرار وبعضها مثلاً بالقرص، ولا شك أن الهاتف الذي بالأزرار يأخذ وقتاً أقل في الاتصال إذا كان مصمماً بالطريقة الفورية لدق الأرقام، فإذا كنت تستطيع أن تستعمل هذا فاستعمله؛ فإنه يوفر لك على المدى البعيد وقتاً، وبعض الهواتف فيها أزرار لإعادة المكالمة تلقائياً إذا استطعت أن توفرها فافعل، لا تتوانَ في شراء جهاز لزوجتك في البيت مثل الغسالة أو الموقد أو أي وسيلة من وسائل الراحة العصرية التي توفر لزوجتك وقتاً، إذا استطعت أن تدفع نقوداً لتشتري وقتاً فافعل. فهذا محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري رحمهما الله المتوفى سنة [227هـ] كان في حال طلب العلم جالساً في مجلس الإملاء والشيخ يحدث ويملي، فانكسر قلم محمد بن سلام وهو يكتب، طبعاً الشيخ لن ينتظر واحداً من الطلبة حتى يأتي بقلم، وهذا صاحبنا من الطلبة المواظبين المجدين الذين يعرفون قيمة الوقت، فأمر محمد بن سلام البيكندي أن ينادى: قلم بدينار قلم بدينار، والقلم يساوي أقل من دينار، فتطايرت إليه الأقلام، لأن الناس يريدون الدينار، فدفع مالاً ليوفر وقتاً. وستجد في المقابل من الناس الفارغين البطالين من هو مستعد أن يعطي من وقته ويضيع مالاً لذلك.

قتل مضيعات الوقت في مهدها:

ومن الأمور التي تساعد على استغلال الوقت والمحافظة عليه: قتل مضيعات الأوقات في مهدها، فهناك أمور تضيع الأوقات. قال ابن القيم رحمه الله: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. إذا أنت مت انقطعت عن الدنيا، ولكن إذا اشتغلت بالأشياء التي تضيع الوقت بلا فائدة فإنك تكون قد انقطعت عن الله والدار الآخرة، ولا بد أن يكون عندنا مفهوم واضح للأشياء التي تضيع الوقت، فليس من ضياع الوقت ما كان في طاعة الله، لذلك قد تكون مساعدة الوالدين وشراء الأغراض لهما، أو الذهاب بالولد إلى العيادة ومساعدة أخ في الله في إصلاح سيارته مثلاً لا يمكن أن نعتبره مضيعة للوقت؛ لأنه من طاعة الله. ولذلك بعض الناس عندهم مفاهيم غريبة في خسارة المال أو ضياع الوقت، يقول: والله نحن ضيعنا من وقتنا العام الماضي عشرة أيام في الحج، ونحن خسرنا عشرة آلاف ريال في الحج، فليس هذه خسارة، كيف تسميها خسارة؟! ليس من إضاعة الوقت مثلاً الصبر على التربية اللازمة لإقامة المجتمع المسلم، ومن لا يقبل بذلك فهو متهور، يريد اختصار ما لا يمكن اختصاره؛ لزعمه أن طريق التربية بطيء وهو مضيعة للوقت، ولذا تجد أكثر هؤلاء شعارهم العنف؛ لأنهم يريدون تغيير كل شيء بالقوة وبأسرع طريقة، ولسنا نعني هنا أنه لو حانت فرصة طيبة أن تستغل.

إذا كنت ذا رأي فكن ذا                 عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

ما هي الأشياء التي تستهلك الأوقات؟ ذكر ابن القيم رحمه الله أشياء الإسراف فيها مضيعة للوقت، وهي: النوم والأكل والكلام، إذا زادت عن حدها صارت مضيعة للوقت.

النوم:

النوم مثلاً نعمة من نعم الله لولا النوم لعشنا في شقاء، لأن الإنسان مطلوب منه أن يعطي جسده حقه (وإن لجسدك عليك حقاً) ولكن ليس معنى هذا أن ينام الإنسان الساعات الطويلة المتواصلة، أذكر أنني أيقظت شخصاً في وقت الظهر أو العصر، فقلت له: منذ متى أنت نائم؟ فقال: نمت من قبل مغرب اليوم الماضي.. وهكذا فإن بعض الناس ينام الساعات الطويلة جداً ويستغل وقته في النوم، وبعض الناس يعتقد أنه لا بد أن ينام ثمان ساعات، مع أن هذه المسألة كما أثبت أهل الطب أن الأجسام تختلف، فبعض الناس يحتاجون ثمان ساعات فعلاً وبعض الناس تكفيهم ست ساعات، وبعض الناس تكفيهم أقل، وبعض الناس تكفيهم أكثر، والمسألة تعتمد كثيراً على التعود وعلى طبيعة جسم الإنسان، وعلى نوع الوظيفة التي يقوم بها … وهكذا، وبعض مشاهير الدعاة كانوا ينامون أربع ساعات فقط في اليوم، ليستغل في الأوقات الأخرى في طاعة الله، فهو يعلم أنه يسابق بالخيرات. ومن الأمور المهمة في النوم: القيلولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) فالوقت الذي يكون الشيطان فيه سارحاً يمرح المفروض أننا نحن نكون في نوم، ولا نتأخر في السهر؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد كره السهر بعد العشاء الآخرة إلا للعلم أو الأشياء المهمة أو الضيف مثلاً، الآن انعكست عندنا الآية فالوقت الذي يكون المفروض فيه أن ننام نستفيق، والوقت الذي ينبغي أن نكون مستفيقين ننام.. وهكذا. صحيح أن طريقة الحياة المعاصرة تجبرنا على أشياء من الاستيقاظ، مثلاً: الآن في قضية الدوام والحصص تجد أن الحياة مصممة على أنك تستيقظ في وقت القيلولة، ولكن لو استطعت أن تقيل فافعل، ولو استطعت أن تنظم جدولك بحيث تنام في وقت القيلولة؛ فافعل.

وجبات الطعام:

من الأمور المضيعة للوقت كذلك: وجبات الطعام، سواء أثناء الوجبات على المائدة كما يحصل عندما يجتمع أناس على طعام فيطول الكلام في أشياء غير مفيدة، والأكل الذي كان يمكن أن يلتهم في عشر دقائق

مقالات ذات صلة

اضف رد