نكمل اليوم الجزء الثانى من مقال بول جراهام عن مفاجآت تأسيس شركة ناشئة، بعد تناولنا فى الجزء الأول مفاجآت بول جراهام للشركات الناشئة من المقال الخمس مفاجآت الأولى.
6. خطط للمدى البعيد
وأما سبب أهمية الإصرار كعامل أساس لنجاح الشركة الناشئة فهو أن كل شيء تريد تنفيذه يأخذ وقتا طويلا جدا كي يتحقق، فمؤسس الشركة يعمل بسرعة كبيرة، ويتوقع لكل من حوله أن يعمل بالسرعة ذاتها، لكن الدنيا لا تسير وفق هذا المنظور.
ستجد كل شيء يستغرق وقتا أطول بمقدار الضعفين أو ثلاثة أضعاف ما تتوقعه، ولعل سبب ذلك هو الثقة الزائدة لدى كل مؤسس شركة ناشئة، فهو يظن أنه سيكون أنجح من يوتيوب أو ياهوو.
ورغم أنك تخبرهم أن واحد فقط من كل مشروع انترنت ناجح يحقق معدل زيادة صاروخي مثلما فعل ياهوو وغيره، فيرد عليك سأكون أنا هذا الواحد.
على الجهة الأخرى، بجانب أهمية الإصرار، عليك توقع أن شركتك لن تقف على قدميها قبل مرور من 3 إلى 5 أعوام، في رحلة صعبة ستحتاج منك إلى كل قطرة عرق وصبر وإصرار، وكل هذا يحتاج إلى تخطيط جيد من أو قبل البداية.
التخطيط بعيد المدى يخفف من وطأة الضغط العصبي لتأخر كل ما كنت تريده تحقيقه بسرعة، وعندها تستطيع التفكير بروية ووضوح، وهذا يعينك على بلوغ هدفك ونجاح شركتك بشكل أسهل وأيسر.
7. الكثير من الأشياء الصغيرة
لا تضع البيض كله في سلة واحدة، جملة سمعناها كثيرا، لكنها حقيقة ولها أوجه كثيرة تتحقق من خلالها، وأما في حالة تأسيس شركة جديدة، فأنت لا تعرف أين البيض، ولا تعرف كم سلة لديك، ولذا عليك أن تجرب عدة أشياء حتى تعرف أي خاصية تقدمها هي الخاصية التي يبحث عنها الجميع والتي ستجعل لك ميزة تنافسية وتجلب لك النجاح والأرباح.
ستؤمن أن ميزة بعينها لديك هي درة العقد أو جوهرة التاج والتي ستجعل منك الناجح الذي تطارده مجلات الأعمال، لكن التجربة العملية ستخبرك أن ذلك غير صحيح.
حتى في حال كانت ميزة واحدة فقط لديك هي ما يجعل لشركتك فرصة في النجاح الكبير، فأغلب الظن أنك لن تعرف هذه الميزة على الوجه الدقيق، وغالبا ما ستكون هذه الميزة ذات أثر يتحقق بمساعدة أشياء جانبية صغيرة، وهذا يتطلب منك ألا تركز جل وقتك لعمل شيء واحد.
8. ابدأ بشيء صغير ، قليل ، محدود ، بسيط
كثيرة هي المقالات والنصائح التي أخبرتك بأن البساطة هي مفتاح النجاح، وفي حال شركات ومشاريع انترنت، عليك تقديم فكرة جديدة، بشكل مبسط، لكي تطلقها بسرعة، ثم بعدها تجلس لتطور وتوفر المزيد من المزايا والخواص.
لماذا تجد الإصدار الأول من تطبيق أو موقع انترنت يأخذ الطويل من الوقت؟ غالبا بسبب الكبرياء والفخر. من ذا الذي يريد أن يطلق تطبيقا ما وهو قادر على تحسينه وتطويره وتجميله أكثر؟
لكن على الجهة الأخرى، من قال أن تقديم تطبيق / برنامج بسيط ليس بعمل ذي قيمة ومعنى وفائدة؟ لا تقلق مما سيقوله الناس بخصوص الإصدارة الأولى من تطبيقك، فلو حدث وجاء الإصدار الأول من تطبيقك مبهرا ولم يعب عليه جيش سخفاء انترنت فاعلم أنك انتظرت طويلا حتى تطلقه.
9. تفاعل مع المستخدمين / العملاء
تطوير أي منتج هو ببساطة حوار مع المستخدم، لكنه حوار لا يبدأ قبل أن تطلق منتجك، وهذا من ضمن أسباب الحاجة لتوفير منتجك وطرحه في السوق بسرعة، بل ربما كان من الأفضل لك النظر إلى هذا المنتج والتطبيق على أنه مجرد وسيلة لبدء حوار مع المستخدمين ليعطوك آرائهم ورغباتهم.
ما أن يبدأ هذا الحوار، حتى ستجد باب المفاجآت الحقيقية وقد انفتح، وستجد تفاصيل مثيرة وأسباب خفية تجعل لما تقدمه قيمة فعلية، تستحق دفع المال فيها.
على أن هذه المفاجآت ليست كلها إيجابية، فمنها السلبي كذلك، فلن تجد معجبين بكل ما تفعل أو تقدم أو تقول، لكن كذلك ستجد جوانب أخرى حصدت الاهتمام من المستخدمين والتي عليك التركيز عليها أكثر والاهتمام بها. لن تعرف كل هذا ما لم تبدأ الحوار مع المستخدم!
10. استعد لتغيير فكرتك
لكي تستفيد من حوارك مع المستخدمين، عليك أن تكون مستعدا وراغبا في تغيير فكرة شركتك. كثيرا ما شجعنا العصاميين على النظر لفكرتهم لتأسيس شركتهم على أنها فرضية أو مقترح، وليس قانونا لا يمكن تجاوزه أو تعديله أو تغييره كليا. رغم أن فكرة كهذه تبدو صعبة الهضم، لكن ما أن تعمل بها حتى ستتفاجئ بقوة لسهولة تنفيذها ونجاح نتائجها.
رد الفعل الطبيعي لدى العصاميين حين يواجهون مشكلة عويصة سيكون العمل بجهد كبير لحلها، لكن في حال الشركة الناشئة، قد لا يتوفر لك الوقت الكاف حتى تحل هذه المشكلة.
ولذا ربما كان من الأفضل لك البحث عن مشكلة أخرى أسهل عليك حلها وتجعلها الفكرة والخدمة التي ستقوم عليها شركتك الناشئة. الإصرار على تحقيق شيء بدون مرونة في التفكير والتصرف قد ينتهي بك حاصلا على لا شيء!
نعم، بالإصرار ستصل إلى حل لمشكلة ما، لكن على حساب ماذا؟ يستطيع الإنسان منا التوقف عن التنفس لفترة وجيزة، من دقيقتين إلى خمس على أقصى تقدير، بعدها لن تجدي جميع أنابيب الأوكسجين في العالم. شركتك الناشئة ذات قدرة أقل على التحمل، فلا تنزلق وتعند وتخاطر بكل شيء لتثبت أنك عبقري حل مشاكل.
عليك أن تعثر على أقصر وأفضل سبيل لحل مشكلة ما، وتكمن المشكلة في عدم وجود وسيلة قاطعة لمعرفة أفضل حل وأقصر طريق، ولن تعرف حتى تجرب، وتغير من طريقة تفكيرك، وتكون مستعدا لتقبل جميع الأفكار الممكنة وتجربتها.
على الجانب
- أحب أن أوضح أن على أي عصامي يسعى لتأسيس شركته الإجابة على الكثير من الأسئلة الصعبة، مثل أي نشاط سأعمل فيه أو أي مشكلة سأحلها. نقطة البداية هي السؤال الذي لن يجيب عليه غيرك – حتى أنا!
- مشكلة المشاكل هي عدم وجود إجابة قاطعة. ما لم تجرب فلن نعرف. يسألني الكثيرون عن أشياء لا يمكن معرفة إجابتها سوى بالتجربة، وحين أقول ذلك أشعر بأن ردي هذا غير مقبول منهم.
- من يستطيع أن يؤكد أن الأفكار المذكورة في هذه المقالة ستجدي مع أناس بعينهم أو في منطقة محددة؟ من يستطيع أن يقول أن كل هذه الأفكار يمكن تطبيقها معا، أو يستحيل تطبيق أي منها؟ أنا أعرض لكم أفكارا، مجرد أفكار، ليأخذ كل قارئ وفق ما يحتاج إليه، لكن لن يستطيع قارئ واحد أن يستفيد من كل فكرة بحذافيرها، وكذلك لن يعجز قارئ على أن يستفيد من فكرة واحدة مذكورة هنا. الأمر بسيط وهين، لكنه يحتاج لقارئ مرن ذي خيال جامح.
- لا تشك في حصولك على ردود مفاجئة من المستخدمين
11. لا تقلق من المنافسين
عندما يكون لديك فكرة واعدة، تبدأ تشعر كما لو كان الكل يعرف ذلك وقرر أن ينافسك، وتبدأ تلقي بالا للشركات المنافسة وتقلق كثيرا بشأنها، لكن الواقع يخبرنا بأن للكل أهداف مختلفة، حتى ولو كان يعمل في ذات مجالك الذي تعمل فيه.
لعل من أسباب ذلك القلق المفرط هو التقدير المبالغ فيه والذي يعطيه العصامي لكل فكرة واعدة تخطر على باله، على أن الأفكار وحدها لا قيمة لها، ما يجعل لها قيمة هو طريقة وآلية وإستراتيجية تحويل هذه الفكرة إلى واقع.
كما أن كل هذه المخاوف الأولية سرعان ما تزول بعد مرور بعض الوقت على بدء تأسيس الشركة الجديدة، وتبدأ تركز على منتجك وكيف ستوفره في السوق.
حين تجد منافسيك ينالون مديح مواقع انترنت ووسائل الدعاية، فلا تظنهم فازوا، فكل هذا لا يساوي الكثير، ما يهم فعلا هو عدد العملاء المشترين. الدعاية وحديث الناس وحدها لا تصنع عملاء راضين عن المنتج، على الأقل في مجال التقنية!
12. من الصعب بمكان الحصول على مستخدمين
يشكو العديد من مصممي شركات انترنت من صعوبة الحصول على مستخدمين ومشترين وعملاء، وهذه المشكلة تحديدا عويصة وصعبة، فأنت لا تستطيع معرفة السبب بسهولة.
هل هو ضعف في الجانب التسويقي أم أن منتجك رديء ولا يريده أحد! حتى أفضل المنتجات يرفضها المستخدمون بسبب مشاكل مالية تحل بهم أو قرارهم التحول لاستخدام منتج آخر.
إقناع الناس بأن يكونوا عملائك عملية صعبة ومعقدة ومتراكبة، فالبعض سيبتعد عنك إذا رأى أن حجم شركتك صغير وعمرها قصير، البعض الآخر سينظر إلى كلفة التحول إلى منتجك وترك ما يتعامل معه منذ سنوات ويعرفه.
الشاهد أن انغماسك في تطوير منتجك قد يأخذ وقتا طويلا ويحقق لك ربحا قدره س. على الجهة الأخرى، إذا وجهت هذا الوقت للتركيز على التسويق وعقد صفقات بيع كبيرة، ستحقق الربح ذاته وربما أكثر.
13. قيمة المجتمع المحيط والمساعد
في هذه النقطة تحديدا، أخذ بول يتغنى بالدعم الذي قدمه العصاميون الذي نجحوا بالفعل في تأسيس شركاتهم لكل من بدأ أولى خطواته لتأسيس شركته الناشئة.
وهنا أحور كلمات بول لأجعلها توضح أهمية العمل في بيئة يساعد كل من فيها بعضهم البعض. يظن البعض أنه حين يساعد من حوله أو ينشر معلومات قيمة عبر انترنت فإن الكل سيأخذ هذه المعلومات ويستغلها ويطعنه في ظهره.
نعم، سيفعل البعض ذلك بكل أسف، لكن على المدى الطويل، حين تفيد من حولك، سيأتي الوقت ويردوا لك الجميل. حين تكثر من فعل ذلك، فأنت فعليا تصنع بيئة مساعدة توفر الظروف المناسبة لخروج المزيد من العصاميين.
كن مثل الشجرة الوارفة التي تفيدنا بالأوراق الخضراء، تصنع ظلالا وتنقي الهواء وتريح العين بمنظرها الجميل.
14. لا تتوقع الاحترام
لا تظن العالم سيشاركك اهتمامك واحترامك لعالم الشركات الناشئة وجحافل العصاميين، ولا تشكو من أن 95% من الذين ستخبرهم بفكرتك الجديدة سيحكمون فورا بأنها فكرة فاشلة ولن تنجح مهما فعلت، على أن كل هؤلاء سيغيرون رأيهم فور أن تنجح فكرتك فعلا وتبدأ تلقى المزيد من الاهتمام، لكن ليس قبلها.
15. الأشياء تتغير حين تكبر
ما أن تكبر شركتك ويزيد حجمها، حتى تبدأ طبيعة دورك الوظيفي في التغير، وتجد أن القاسم الأكبر من وقتك يذهب في إدارة الموظفين الجدد الذين وظفتهم لتوسيع وتكبير الشركة.
هؤلاء الوافدون الجدد يقع على عاتقك عبء تحفيزهم وتنشيطهم لتنفيذ ما تريده منهم، وذلك يتطلب منك التفكير في إستراتيجية إدارية والتي تتطلب رؤية مستقبلية واضحة ومحددة ومفهومة.
كذلك، ما أن تثبت الزيادة الدورية في المبيعات، ويتراكم المال في حساب الشركة، حتى يبدأ القلق والضغط النفسي يقل، وتبدأ تستمع بالعمل.
كانت الدنيا لتكون أجمل لو تحقق ذلك مع كل الشركات، أو في فترة زمنية قصيرة، لكن الواقع يخبرنا أن هذه هي الجائزة التي ستضعها أمام عينيك لتهون عليك كل المصاعب والمشاكل والعثرات حتى تبلغ هذه الغاية.
ثم يختم بول
حديثه موضحا شيئا يغيب عن أبصارنا. الخلاف الفعلي والمفاجأة الكبرى هي أن تأسيس شركتك يختلف بشدة عن عملك في وظيفة ما. في شركتك أنت الآمر الناهي، قبطان السفينة، وعليه تقع على عاتقك أحمال كثيرة تتطلب منك اتخاذ القرار بسرعة ومتابعة تنفيذه ومراقبة نتائجه وتعديله فورا لو تطلب الأمر ذلك.
في الوظيفة أنت لا تكترث بأي من كل هذا، حتى ولو كنت المدير التنفيذي، لأنك تعلم ساعتها إن خسارتك لهذه الوظيفة أمر وارد، وساعتها ستبحث عن غيرها ولا تعبأ كثيرا، على عكس الحال في شركتك، فأنت لن تتركها سوى حين تصل المياه إلى رقبتك وتعرف أن لا مجال لإنقاذ سفينتها.
رغم هذه القائمة من المفاجآت، لا يتوقف بول عن نصح الجميع بتجربة تأسيس وإطلاق شركتهم الناشئة، وخوض هذه التجربة بكل قوة، خاصة في السن الصغير، لتعلم الكثير… نهاية المقالة.
تعرضت المقالة الانجليزية للحديث عن ممولي المشاريع والمستثمرين، وهذه لم نتناولها لأنها ببساطة غائبة في واقعنا العربي ولا فائدة ترجى من سردها.