فواصل

هوانغ مينغ ملك الطاقة الشمسية

ويتجدد لقاءنا مع قصة جديدة من قصص نجاح أبهرت العالم وحظيت بإعجاب الكثيرين فى مختلف العالم . هوانغ مينغ … اسم ستحترمه كثيرا ….

بدأ هوانغ مينغ، رئيس مجلس إدارة شركة “هيمين” للطاقة الشمسية بعمل سخانات الماء التي تعتمد في تشغيلها على الطاقة الشمسية ليهديها إلى أصدقائه ومعارفه.

أما اليوم فإن شركته المختصة بإنتاج معدات استخدام الطاقة الشمسية أصبحت تعتبر واحدة من أكبر الشركات في العالم في مجال إنتاج أنظمة سطوح المنازل والمباني، حيث تنتج نحو مليون نظام سنويا.

كان مينغ البالغ 51 عاما من العمر والذي يطلق عليه الصينيون اسم “إله الشمس” يعمل في البداية في تصنيع الأجهزة والمعدات المستخدمة في صناعة النفط. إلا أنه يدير الآن واحدة من أكبر شركات الطاقة الشمسية في الصين حتى أصبح سفيرا دوليا لاستخدامات الطاقة المتجددة.
يقول مينغ “لدي حلم. فأحيانا يكون المرء محبطا، ولكن عندما يسعى إلى تحقيق حلمه فإن حياته تصبح ذات معنى. وحالما ينطوي الحلم على اشتراك وزج أعداد أكبر وأكبر من الناس فإنه يصبح أكثر قدرة على التحقيق”.

يتعلق الأمر بمدينة ديزهو الصينية، وهي مدينة مغبرة تقع في محافظة شاندونغ، وتعتبر مكانا غير محتمل لإطلاق ثورة في مجال الطاقة الخضراء. فهي مدينة صناعية وبائسة في الغالب تقع على ما يعرف بحزام الغبار الذي يغطي الجزء الشمالي الشرقي من الصين.
ولكن لمعروف لماذا اختار مينغ هذه المدينة بالذات لكي تصبح عاصمة للطاقة النظيفة، فإن المرء لا يحتاج سوى إلى أن يحدق أشعة الشمس الحارقة. إذ يقول “إن الشمس لا تنفذ”.

جاء تحول مينغ من مسؤول في شركة نفطية كبيرة في الصين إلى بائع للطاقة الشمسية قبل أكثر من عقدين عندما كان منخرطا في عمليات التنقيب عن النفط وحفر الآبار النفطية. وعن ذلك يقول “أدركت بأن عملي، حتى انتهاء حياتي، لن يعني أي شيء لأنه سوف يأتي اليوم الذي ينضب في النفط. وقد شعرت بالذنب لأن وظيفتي كانت تنصب على تسريع عملية استخراج النفط. وعندما ولدت طفلتي كنت قلقا من أنها لن ترى سماء زرقاء وغيوما بيضاء، وهذا ما دفعني إلى تغيير اهتمامي من النفط نحو الطاقة الشمسية”.

بدأ مينغ في تجريب سخانات الماء المعتمدة على الطاقة الشمسية ليهديها إلى أصدقائه. إذ يقول “أعطيت أحد السخانات إلى صديق لصديقي في حفلة زواجه ليطلب مني عددا أكبر. وفجأة طلب مني تجهيز أحد المصانع. وعندما تحولت هوايتي إلى عمل، أصبح حلمي حقيقة”.

استغرق الأمر منه عقد لكي يترك العمل في مجال النفط وليؤسس في عام 1995 شركة “هيمين سولار إنيرجي جروب” للطاقة الشمسية. وعن ذلك يقول “مثلما أن هناك وادي السيليكون في أمريكا، فإن لدينا في الصين وادي الطاقة الشمسية”، مشيرا إلى مقر شركة “هيمين” الذي يبدو من بعيد وكأنه ملعب ضخم لكرة القدم.

وعندما يقترب المرء من هذا المقر فإنه سيجد بأن ذلك القوس الهائل الذي ينبع من الأرض ما هو إلا لوحة كبير على شكل مروحة مخصصة لتخزين الطاقة الشمسية.

قدم مينغ في عام 1982 من مدينة تايكسينغ الواقعة بمحافظة جيانغسو إلى مدينة ديزهو لدراسة تقنية حفر النفط في معهد الجيولوجيا. أما اليوم فقد استطاع أن يحدث تحولا كبيرا في مدينة ديزهو التي تبنته. إذ أن نحو 70% من حاجات التدفئة والإنارة في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5.6 نسمة يتم تلبيتها بواسطة الطاقة الشمسية. وعن مقر شركته يقول “هذه أكبر بناية في العالم تستخدم الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للطاقة”.

وفي متحف شركة “هيمين” هناك صور لمينغ إلى جانب صور ألبرت إينشتاين وإسحق نيوتون. وعلى جدرات المتحف ملصقات كبيرة كتبت عليها شعارات اختارها مينغ للشركة بضمنها واحد يقول ” لدي حلم.. بسماء زرقاء وسحب بيضاء للأجيال القادمة”.

من الواضح أن مينع ليس لديه أي شك بقدراته الخاصة. فخلف ما يوحي به للوةهلة الأولى باعتباره رجلا مهتما بتطبيق التكنولوجيا النظيفة، تقف شخصية رجل أعمال حاذق. إذ توظف شركة “هيمين” الآن 60 ألف عامل وموظف في حين بلغت قيمة إيراداتها في عام 2007 نحو ملياري يوان (291 مليون دولار).

وعلى الرغم من إصرار مينغ على أن قادة الصين الشيوعيين لا يؤثرون على قرارات الشركة، إلا أنه عضو في حزب الكونجرس الوطني وقد اشترك في تقديم الاستشارة إلى الحكومة بشأن التشريعات الخاصة بالطاقة النظيفة.

وتعتبر الصين الآن أكبر بلد في العالم من حيث استخدام وإنتاج سخانات المياه المعتمدة على الطاقة الشمسية، حيث أصبحت تستحوذ على نصف الإنتاج والاستخدام العالمي في هذا المجال. ويعد مصنع شركة “هيمين” أكبر منتج في العالم لأنظمة السطوح، حي ينتج سنويا مليون سخان ماء يعتمد على الطاقة الشمسية.

وعلى الرغم من كونها أكبر بلد في العالم من حيث انبعاث ثاني أكسيد الكربون، إلا أن الصين تستعد للاعتماد بشكل أكبر على موارد الطاقة المتجددة وذلك ضمن سعيها إلى تخفيف الاعتماد على الفحم. ففي عام 2006 شرعت الصين قانون الطاقة المتجدد. وفي عام 2007 أصدرت خطة الطاقة المتجددة التي تستهدف زيادة الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة لتشكل بحلول عام 2020 ما نسبته 15% من إجمالي خليط الطاقة.

غير أن مينغ يشتكي من زيادة أعداد السيارات في الصين. ويشير إلى أن الجزء الأكبر من وسائل النقل القريبة من مصنع الشركة عبارة عن سيارات صغير تعتمد على الطاقة الشمسية.

وعندما يستعرض مينغ بنية وأنشطة الشركة فإن المستمع يدرك طبيعة شخصيته التي استقطبت أعداد كبيرة من المستثمرين الدوليين. ويشار في هذا الصدد إلى أن مصرف “غولدمان ساكس” الاستثماري الأمريكي أصبح مستثمرا في شركة “هيمين” التي بالتت تسعى الآن لطرح أسهمها في أسواق البورصة.

ويبدي مينغ فخرا في مستوى كفاءة منتجات الشركة مشيرا إلى أن سخانات المياه المعتمدة على الطاقة الشمسية والتي تنتجها شركته تعمل بشكل جيد حتى في المناطق التي تكثر فيها الغيوم، مثل مدينة شونغكينغ الصينية الشاسعة التي تشتهر بكثرة الأمطار.

وقد بات الآن بالإمكان رؤية الأنظمة الشمسية التي تنتجها شركة “هيمين” منتشرة على السطوح في جميع أنحاء الصين. وتعتبر المناطق الريفية الصينية التي تضم نحو 30 ألف مدينة صغيرة وقرية مركز اهتمام خطط التطوير المستقبلية التي أعدتها الشركة.

وتتراوح أسعار سخانات المياه العادية التي تنتجها الشركة بين 1500 و 3000 يوان في حين يصل سعر السخان الأكثر تطورا إلى 20 ألف يوان. وبإمكان تلك السخانات تسخين المياه سواء في منزل ريفي صغير أو في البيوت الكبيرة التي تنتشر الآن في ضواحي العاصمة بكين. كما أصبحت السخانات التي تنتجها “هيمين” جزءا من العديد من المجمعات السكنية والأبنية التجارية المنتشرة في الصين.

وقد قامت الشركة بنصب ألواح الطاقة الشمسية في المدين الأولمبية كما أصبحت الشخانات التي تنتجها تنهض بمهمة تسخين المياه في متحف ماو تسيتونغ.

وفي عام 2007 قدرت قيمة سوق سخانات المياه المعتمدة على الطاقة الشمسية في الصين بنحو 32 مليار يوان، وهي سوق باتت تستقطب منتجات جديدة بشكل مستمر.

وهناك الآن أكثر من 20 شركة تقوم بإنتاج سخانات المياه المعتمدة على الطاقة الشمسية بإنتاج إجمالي سنوي تصل قيمته إلى 100 مليون يوان. وإحدى تلك الشركات شركة “يانتيك” التابعة إلى مجموعة “شي زينغرونغ” في يحن يؤكد مينغ على وجود فرص مربحة أمام جميع تلك الشركات. إذ يقول “نتجنب استخدام كملة المنافسة لأن هذه السوق أشبه بالمحيط الشاسع الذي لا تبحر فيه سوى حفنة من القوارب. فهل يمكن لصياد أن يتنافس مع صياد آخر في محيط هائل؟ فالمنافسة هنا مع أنفسنا بمعنى إننا لا نلوم الآخرين في حظوظ الشركة”.

وعلى الرغم من النجاحات الباهرة التي أحرزها إلا أن مينغ لا ينجو من الانتقادات الموجهة له. إذ يشير مدافعون عن البيئة إلى أنه ساهم في دفع أسعار السخانات التي تعتمد على الطاقة الشمسية إلى الارتفاع وخصوصا في المناطق الريفية. غير أن منظمة “جرين بيس” المدافعة عن البيئة أصدرت مؤخرا تقريرا أشادت به بشركة “هيمين” وبدور السيد مينغ، مشيرة إلى أن نشاطه في مدينة ديزهو قد أظهر بأن الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تصبح حقيقة قائمة في المدينة الحديثة.

مقالات ذات صلة

اضف رد