فواصل

التغيير أسلوب حياة وليس واقع مفروض

قطار التغيير لا يقف أبدا

في عام 1981 قدمت شركة سوني اليابانية اختراعا عجيبا، مشغل أقراص مرنة (فلوبي ديسك درايف 3.5 بوصة) لأجهزة الكمبيوتر الشخصي. في نهاية شهر أبريل 2010 الماضي، أعلنت شركة سوني أنها ستتوقف عن تصنيع هذه المشغلات، لأن الطلب العالمي عليها تراجع بشكل جعل تصنيعها أمرا غير عملي أو مربح.

جاء القرص المرن ذو الحجم 3.5 بوصة ليكون وسيلة التخزين الخفيفة النقالة سهلة الحمل قوية البنية نسبيا، ليحل محل القرص المرن ذي الحجم 5 وربع بوصة، والذي جاء في الأصل ليحل محل القرص المرن ذي الحجم 8 بوصة.

جاءت أول علامة على قرب نهاية عصر القرص المرن 3.5 في عام 1998 حين قررت شركة ابل أن تطلق حاسوبها آي ماك جي3 في الأسواق بدون مشغل أقراص مرنة، مقابل اعتماد هذه الحواسيب على منافذ يو اس بي لشبك وسائل تخزين بديلة.

في عام 1888 اخترع جورج ايستمان آلة تصوير فوتوغرافي صغيرة (نسبيا) سهلة الحمل والنقل وأسماها كوداك، والتي أثبتت جودتها العالية. بعدها بقرن أزاحت الكاميرات الرقمية بعرش كوداك و بعدما كان الجميع ينظرون بعين الاحترام إلى كاميرات كوداك.

انتقل هذا الاحترام إلى كاميرات كانون و نيكون. اليوم وبشكل تدريجي تنتقل الكاميرات الرقمية لتكون جزءا من الهاتف النقال المحمول، وبجودة ربما مماثلة أو أقل.

في عام 2006 نشر ديفيد ليريه كتابا أسماه لماذا ستبقى فقاعة العقارات، وكيف يمكنك أن تتربح منها، وكان يدافع بقوة عن فورة أرباح العقارات الأمريكية، وكيف أنها ستبقى طويلا. في عام 2007 ناقش محدثكم رجل مبيعات عقارات يعرض للبيع شققا في دبي بأسعار تبدأ من قرابة مليون درهم، مع استعداد البنوك لتمويل ثمن الشراء بنسبة 100%.

كان الرجل مليئا بالثقة بالنفس، وحين سألته إن ما تعرضه التزام طويل الأجل، فمن يضمن لي أنه بعد انتهاء البناء وتسليم الشقق، ستبقى أسعار العقارات على ارتفاعها لكي أبيع وأربح، فرد علي البائع الهندي بالقول: بابا، هذه دبي، لا يمكن لأي أمر غير طيب أن يحدث فيها.

لماذا أحكي لك كل هذا؟

- إن لم تتغير، وتتقبل آلية التغير، وتحب التغيير، فستجد نفسك وقد فاتك قطار التغيير، غريبا وحيدا مهجورا.

تقول الحكمة البالغة: كل شيء مآله التغير، إلا عملية التغير ذاتها فقط.

مرة أخرى: لماذا أحكي لك كل هذا؟ لأنني لا زلت أجد مقاومة من أناس أقول لهم لا تعتمد على مصدر دخل واحد، وأن أكثر ما يجب أن تخاف منه وتخشاه هو ذاك الراتب الثابت الشهري، لأنه يجمد تفكيرك ويقتل روح المغامرة لديك.

حين عرضت نتائج إحصائية صفات مؤسسي الشركات، تساءل البعض عجبا من كون القسم الأكبر من المؤسسين متزوجين ويعولون، وتساءلوا: كيف يغامر من لديه هذا الحمل الثقيل. إجابة هذا السؤال تجدها لدى المتزوج العائل، واختصارها أن الدخل الثابت لا يجدي مع المصاريف المتزايدة، فمن لديه أبناء يكبرون، يدرك أن مصاريفهم تكبر بمعدل أسرع من نموهم.

حين أقول الوظيفة مثل السم في العسل، أجد أحيانا مقاومة عنيفة من البعض، كيف تريد من الموظف أن يترك وظيفته التي تعب حتى حصل عليها وبلغ مرتبتها العالية؟ طبعا، سبب المقاومة هو الخوف الغريزي من التغيير وكذلك من المجهول.

أدرك جيدا أن الله لم يخلق كل البشر ليكونوا أصحاب شركات، لكن ذلك لا يمنع جميع البشر من أن يكون لهم أكثر من مصدر للدخل، وإن كان يعمل بالنهار في وظيفة، ففي الليل يجب أن يكون لديه مصادر دخل أخرى، مثل تأليف كتاب أو تصميم مواقع أو بيع أشياء مستعملة أو غير ذلك الكثير. إن كنت تخشى المجهول، فهو لا محالة نازل بك.

دعنا نرجع مرة أخرى لمقدمة موضوعي هذا، جاء القرص المرن 3.5 ليضع نهاية للقرص 5 وربع، ثم جاء ما وضع نهاية له. جاءت أقراص الذاكرة فلاش لتضع نهاية للقرص المرن (فلوبي) والمدمج (سي دي + دي في دي) والصلب (هارد ديسك).

جاء هاتف آي فون ليؤذن بمقدم الهواتف العاملة باللمس بالأصابع، واضعا نهاية للوحات المفاتيح التقليدية. جاءت الكاميرات الرقمية لتضع نهاية للتصوير بالفيلم الفوتوغرافي. جاءت الأزمة المالية العالمية لتضع نهاية لأحلام ثراء سريع كثيرة ووظائف مديدة ودخول ثابتة.

على كل صاحب وظيفة أن يعلم أن وظيفته الحالية لن تدوم، وإن لم يتركها هو، تركته هي. إن لم توقن أن عليك تغيير طريقة تفكيرك، وألا تركن وتقبل وتهنئ بمصدر وحيد للدخل، خاصة ذلك الثابت، وأن عليك خوض غمار تجربة العمل الحر، وأن تقوم بعد كل مرة فشل، وأنه من الأفضل لك أن تفشل الآن على أن تفشل غدا.. إن لم تدرك كل هذا، فأنت الوحيد الملوم حين يفوتك قطار التغيير، فهو لا يقف أبدا…

مقالات ذات صلة

اضف رد